للذاكرة أهمّية في كلّ شيء نفعله
تقريبًا، فبدونها لن نستطيع أن نتكلّم، أو نقرأ، أو نتعرّف على
الأشياء، أو نستدلّ على طريقنا في البيئة المحيطة بنا، أو نحافظ على
العلاقات الشخصية، من ثمّ فإنّ الجزئيات والكلّيات في حياتنا من
الألف حتى الياء تعتمد على الذاكرة، لكن هل نحن نهتمّ بهذا الجزء من
أدمغتنا بقدر اهتمامنا ببقيّة أجزاء الجسد؟ هل نغذّيه بما ينعشه، أم
نفعل العكس؟
إنّ تغذية الذاكرة تنقسم إلى جزأين:
الجزء الأول المعروف هو الجزء الفسيولوجي الذي يعتمد على الأغذية
المفيدة للذاكرة، وقد سمعنا عنها بخاصّة في مرحلة الامتحانات؛ لكون
التركيز على هذا الأمر من قِبل الملاكات التعليمية والأهل جزءًا من
مسؤوليتهم التي يقومون بها بشكل تلقائي، أمّا الجزء الثاني لتغذية
الذاكرة فهو الجانب السيكولوجي الذي يهمله الكثيرون، بل يتعدّى حدود
تجويع الذاكرة سيكولوجيًا، حيث يقوم بتغذية خاطئة تُضعف من قدراتها،
فيقوم بتذكّر كلّ الأمور والقضايا السلبية، ويقوم بخزن المواقف
السلبية بشكل تفصيلي جدًا بدلًا من حفظ تفاصيل الأفراح، ويقوم
بالتأكيدات السلبية لنفسهِ من ندب الحظّ على أتفه الأسباب، ويقدّم
انطباعًا وخزينًا مليئًا بالطاقة السلبية على طبق من ذهب للذاكرة،
ويغذّيها عن طريق تكرار تلك الاحداث، ومن ثمّ يقوم هذا الفعل بدوره
بتضعيف القدرات البيولوجية والنفسية لهذا الجزء، وتكسير الخلايا
الإنتاجية وتحطيم حافظة الإنسان بشكل عامّ، وأبسط الأدلّة على ذلك،
هو تأثير مرض الكآبة في الذاكرة وانهيارها عند مرضى الاكتئاب؛ لعدم
تخطّيهم الذكريات المؤذية، وتذكّرهم لها باستمرار، وعدم إشغال
أنفسهم بفعل وإنجاز مهمّ يُنسيهم ما كابدوه من المعاناة، لذلك فإن
تغذية الذاكرة السيكولوجي أهمّ من الفيسيولوجي، فحاولي التركيز على
ما تملكين من النعم وشكرها بتعدادها كمَن يقول: شكرًا لله لأنّني
أمشي معافىً، شكرًا لله لأنّني أنام تحت سقف، فشكر النعم عبر
تعدادها أحد أساليب التغذية التذكيرية للدماغ، وجذب الطاقة
الإيجابية، والعمل بقوله تعالى: {لَئِن شَكَرْتُمْ
لَأَزِيدَنَّكُمْ} (إبراهيم: 7)، ويمكن تسميتها بالتغذية الراجعة
الإيجابية، واستحضار الإنجازات بينكِ وبين نفسكِ، وشكر الله عليها،
لكن بشرط الاستمرار عبر الانتقال من إنجاز إلى إنجاز آخر أصعب، فإنّ
التحدّيات هي التي تقوّم عمل الخلايا، وتزيد من الإنتاجية الذهنية
السريعة.
وأخيرًا كُلي الطعام الصحّي واشكري الله كثيرًا على أبسط النِعم التي يفتقدها غيركِ، وتذكّري لحظاتكِ الجميلة فقط، استمتعي بأفراحكِ واستمدّي منها القوّة والطاقة والغذاء الذي تحتاجينه للاستمرار والتقدّم في الحياة، واجعليها من أولى أولويات عاداتكِ اليومية؛ لتعبري جسر الحياة وصعوباتها، فالإنسان ما هو إلّا ما يفكّر به وما يقرّر وما يتذكّر.
______________________________________
المصدر: مجلة رياض الزهراء (مجلة
شهرية تختص بشؤون المرأة المسلمة تصدر عن قسم الشؤون الفكرية
والثقافية في العتبة العباسية المقدسة)/ العدد 181.
هاجر
حسين الأسدي
المشورة نافذة البصيرة وقوة الفكر
اقلام على خطى الزهراء (عليها السلام)