الأسرة السعيدة وقاعدة التكوين الأولى
2022/12/30
529

الأُسرة بحسب عِلم الاجتماع اختي المستمعة هي اللَّبنة الأساسيّة في بناء أيّ مجتمعٍ منذ الأزل، لذلك أُطلق على الأُسرة اسم نواة المجتمع فهي المركز الرئيسيّ للتَّربية والتَّعليم والتَّهذيب، وبِصلاحها يصلُح سائر المجتمع ويسمو متّصفًا بالأخلاق والفضيلة والقِيم العُليا والأُسرة هي النِّتاج الطَّبيعيّ من العلاقة الشَّرعيّة القائمة بين الرَّجل والمرأة، من خلال الرَّابطة الزَّوجيّة التي تتّسم بالمودّة والرَّحمة والسَّكِينة ثُمّ يتمخضّ عن هذه العلاقة الأبناء ذكورًا وإناثًا، فتنشِئ الرَّوابطُ الأُسريّة فيما بين أفرادها معتمدةً على العطف والمودة والرِّعاية والاهتمام والتَّربية. 

الاسرة هي أوَّل وعاء تربوي وثقافي يَحتَضِن الأبناء، وَالأُسرة هي بيئَة الطفل الأولى، وهي حجر أساس المجتمع، حيثُ إنَّها تتكون من مجموعة مِن الأشخاص الذين ترتبط بينهم روابط الرَّحم والقرابة، والمقياس الذي تُقاس عليه قوّة تماسُك المجتمع أو ضعفه هوَ تماسُك الأسرة، كما أنَّ لها دوراً فعّالاً في بناء المجتمع السَّوي المتكامل والمُترابط، فالأبناء هم قُرّة عين الآباء، وسبب سعادَتُهُما، فالأسرة كالتُّربة الصالحة وإذا كانت هذه التّربة صالحة يصلح نباتُها، والعكس صحيح، فإذا كان الأبوان صالِحان كان أولادهم صالحين.

كما ينبثق نظام الأسرة من معين الفطرة وأصل الخلقة وقاعدة التكوين الأولى للأحياء جميعًا وللمخلوقات كافّة، قال جل شأنه: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}، وقال سبحانه: {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُون}..وإن النظام الإسلامي يجعل الأسرة هي العمود الفقري الذي يقوم عليه المجتمع الإسلامي، وقد أحاطها برعايةٍ عظيمةٍ في كل مراحل تكوينها، كذلك أحاطها بكلِّ المقومات اللازمة لإقامة هذه القاعدة الأساسية الكبرى للمجتمع المسلم.ونظرًا لأهمية هذه القاعدة في تكوين النظام الاجتماعي ربطها الإسلام بجاذبية الفطرة بين الجنسين؛ حيث أودع في كل طرف رغبة ملحة للطرف الآخر لتحقيق المودة والسكينة التي يبحث عنها كل منهما لدى الآخر، وما ذاك إلّا لتتجه إلى إقامة الأسرة القوية, وتكوين البيت الصالح الذي يتكون من مجموعهما المجتمع الصالح، قال جل شأنه: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}.


ولذا فالأسرة هي الوضع الفطري الذي ارتضاه الله تعالى لحياة الناس منذ فجر الخليقة وفضله لهم، واتخذ من الأنبياء والرسل مثلًا، فقال سبحانه: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً}.. ويبحث عنها لدى الطرف الآخر، وتلك السكينة التي تظلل هذه الخلية الناشئة، وهذه المرحمة التي تغمر قلبي طرفيها، هذه المعاني كلها تجعل الرجل يندفع للارتباط بأنثاه، مضحيًّا من أجلها بماله، ومغيرًا طريقه حياته, مستبدلًا بروابطه السابقة روابط أخرى..
وهي التي تجعل المرأة تقبل الانفصال عن أهلها ذوي الغيرة عليها، وتترك والديها وإخوتها وسائر أهلها لترتبط بالزواج برجل غريب عنها, تقاسمه السرّاء والضرّاء، وتسكن إليه ويسكن إليها، ويكون بينهما من المودة والمرحمة أقوى من كل ما يكون بين ذوي القربى، وما ذلك إلّا لثقتها بأن صلتها به ستكون أقوى من أيِّ صلة، وعيشتها معه أهنأ من كل عيشة، وهذا ميثاق فطري من أغلظ المواثيق وأشدها إحكامًا ومن أهم المقاصد التي أرادها الإسلام من تكوين الأسرة

 تنظيم الطاقة الجنسية هذه الطاقة خلقت في الإنسان سواء كان ذكرًا أم أنثى لتحقيق غاية جليلة، وهي التناسل والتوالد والتكاثر بغرض استمرار الجنس البشري لتتحقق العمارة التي أرادها الله تعالى للأرض..
وإنما شرع الزواج والأسرة ليكون الزواجُ أداةً، وتكون الأسرة وعاءً شرعيًّا نظيفًا لاستقبال هذه الطاقة وتوظيفها في المحل الصحيح.

ولولا الزواج الذي هو تنظيم لتلك الفطرة المشتركة بين الإنسان والحيوان لتساوى الإنسان مع غيره من أنواع الحيوان في سبيل تلبية هذه الفطرة عن طريق الفوضى  فالزواج هو الحصن الواقي من جميع ألوان الانحراف والاضطراب العقلي والنفسي والعاطفي فهو يقي الإنسان من الرذيلة والخطيئة ويخلق أجواء الاستقرار في العقل والقلب والارادة لينطلق الإنسان متعاليا عن قيود الأهواء والشهوات التي تكبّله وتشغله عن أداء دوره في الحياة وفي ارتقائه الروحي واسهامه في تحقيق الهدف الذي خُلق من أجله ، قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌ وآله‌ : «من تزوج أحرز نصف دينه ، فليتق اللّه في النصف الباقي»..

كذلك بقاء النوع الإنساني فالإنسان مجبول على حب البقاء، وإذا كان الإنسان لا سبيل إلى بقائه بذاته، فإن سبيله إلى البقاء إنما هو النسل المعروف نسبته إليه، حيث يراه امتداد في بقائه واستمرارًا لذكراه وخلودًا لحياته وللزواج تأثيرات إيجابية على الرجل والمرأة وعلى المجتمع، فهو الوسيلة للانجاب وتكثير النسل، قال صلى‌الله‌عليه‌ وآله‌ وسلم : «تناكحوا تكثّروا ، فإنّي أُباهي بكم الاُمم حتى بالسقط».

كذلك حفظ الأنساب وقد قال جل شأنه: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} فلا بُدَّ للإنسان السويِّ أن يكون منتسبًا إلى أسرة مكونة من أب معروف وجَدٍّ معروف وأم وجدة كذلك، ومن عوامل الاستقرار النفسي لدى الإنسان كذلك أن يشعر بأن له أبناء وأحفادًا ينتمون إليه ويحملون اسمه ولقبه وبناءً على ذلك تتقرر الحقوق والواجبات داخل الأسرة من تربية وحضانة ونفقة وإرث، وغير ذلك من الأحكام الشرعية التي لولا البناء السليم للأسرة لما أمكن ترتيب هذه الحقوق أو توفيتها.

ومن هنا يتبين لنا بأنه لم يحظَ تشريع إسلامي فضلًا عن غيره باهتمام واسع من الشريعة الإسلامية بمثل ما حظي به تشريع الأسرة، فقد تناول كل مراحل تكوين الأسرة وقيامها، ثم المحافظة على بنيانها قويًّا متماسكًا حتى تستطيع الوفاء بالرسالة الإنسانية والحضارية التي أرادها المولى سبحانه منها، وقد أوصى بحسن اختيار عن رغبة حقيقية ورضى قلبي غير مشوب بأيِّ عاملٍ من العوامل التي تؤثر في إرادة الإنسان، ورسم الأساس الذي ينبغي أن يقوم عليه هذا البنيان، فجعل الدين هو الأصل في الاختيار الدين.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: إذاعة الكفيل - برنامج أسرتنا الى أين الدورة الــ 56 - الحلقة الأولى.

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا