تزكية النفس لإيصالها الى مرحلة النفس المطمئنة
2021/11/30
1476

إن الإنسان يولد وينشأ وله رغبات  قد تكون جامحة، وله طباع ربما تكون رديئة، وربما تسللت إلى أحواله من عادات قومه عادات ردية أو مسالك غير سوية.. ولا يقوم دين ما دامت هذه الشوائب داخل النفس الإنسانية؛ فكان لا بد من التزكية.

إن التزكية هي التربية، وكل أمة لا تربى لا خير فيها، والتزكية في اللغة: مصدر: زكّى يزكي زكاة وهو الطهارة قال تعالى : "قد أفلح من زكاها".
أو هي مصدر: زكي يزكو زكاء وزكاة، وهو الزيادة والنماء. ومنه قول امير المؤمنين "ع": "والعلم يزكو بالإنفاق" أي يزيد والتربية هي رعاية المربى والقيام عليه حتى يبلغ الكمال. ومنه قوله تعالى "الحمد لله رب العالمين" أي الذي يربيهم بنعمه، ويحوطهم برعايته، ويطعمهم ويكسوهم.
وأما في الاصطلاح: فالتزكية هي تكميل النفس الإنسانية بقمع أهوائها وإطلاق خصائصها العليا، ففي معنى قوله تعالى "قد أفلح من زكاها": من زكى نفه بطاعة الله ، وطهرها من الرذائل والأخلاق الدنيئة، فالتزكية تطهير للنفس من أدرانها وأوساخها الطبعية والخلقية، وتقليل قبائحها ومساويها، وزيادة ما فيها من محاشن الطبائع، ومكارم الأخلاق، ومن التعريف السابق لمعنى التزكية والتربية مستمعتي الكريمة نعلم أن  التزكية تقوم على أمرين: تخلية وتحلية: تخلية للنفس عن كل الذنوب والسيئات، والمعاصي والبليات، والقبائح وتحلية لها بالمكرمات، وتنمية المستحسن من الأخلاق والعادات حتى تبلغ بها النفس المطمئنة فجوهر عملية التزكية:الارتقاء بالنفس درجة درجة، من السيئ إلى الحسن ثم ترقيها في مراتب الحسن والصفاء حتى تبلغ أعلى المستويات الإنسانية وأسماها، فتتحول من نفس أمارة بالسوء أو لوامة إلى نفس مطمئنة راضية عن ذاتها مرضية عند مولاها وربها".

إن نظرة خاطفة متعمقة لحال المسلمين اليوم يمكن من خلالها إدراك مدى الحاجة العظيمة والماسَّة إلى إعادة تربية وتزكية وبناء أنفسنا، وتأسيسها على تقوى من الله ورضوان، وأن الحاجة إلى ذلك أصبحت ـ وهي دوما ـ أشد من الحاجة إلى الطعام والشراب والكساء. وذلك لعدة أسباب والتي منها كثرة الفتن والمغريات وأصناف الرغبات؛ فحاجة المسلم الآن - إلى البناء أعظم من حالة أخيه أيام السلف، والجهد مستمعتي  -بالطبع- لابد أن يكون أكبر كذلك فنحن بحاجة الى التزكية مستمعاتي لكثرة حوادث النكوص على الأعقاب، والانتكاس، ، مما يحملنا على الخوف من أمثال تلك المصائر، ولأن المسؤولية ذاتية، ولأن التبعة فردية والإنسان يحاسب عن نفسه لا عن غيره فلابد من جواب واستعداد (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نفْسِهَا) إضافة الى عدم العلم بما نحن مقبلون عليه؛ أهو الابتلاء أم التمكين؟ وفي كلا الحاليْن نحن في أَمَسِّ الحاجة إلى بناء أنفسنا لتثبت في الحالين.

ولأن التزكية طريق الجنة، قال الله تعالى: "وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى" فهي إذن شرط لدخول الجنة. 

إن الإنسان محب للكمال فينبغي لـه أن يعمل على إكمال نفسه بتزكيتها وتربيتها، فهذه النفس تصاب بالأعراض التي تصاب بها الأبدان، فهي محتاجة إلى تغذية دائمة ومحتاجة إلى رعاية، ومحتاجة كذلك إلى متابعة للازدياد من الخير كما يزداد البدن من الطاقات والمعارف، فلذلك احتاج الإنسان إلى أن يراقب تطورات نفسه، ويعلم أنها وعاء إيمانه، وأهم ما عنده هو هذا الإيمان، فإذا سلبه فلا فائدة في حياته، فلا بد من العمل على تنمية هذا الإيمان وزيادته عن طريق تزكية هذه النفس وتهذيبها.
وأخيراً، لأننا نريد أن نبني غيرنا، ومن عجز عن بناء نفسه فهو عن بناء غيره أعجز، نعم إن التزكية فرض عين على كل إنسان فأن كل إنسان في قلبه نزغة الشيطان فتحتاج إلى مجاهدة لهذه النزغات بالتربية والتزكية.

وإن من أعظم فوائد التزكية وعواقبها على أصحابها أنها تهبهم سعادة الدنيا قبل سعادة الآخرة، قال تعالى : (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً) 
وصدق الله تعالى إذ قال: "قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها ".

وفي الختام نقول أن الإنسان الذي يسعى إلى أن يرتقي إلى مستوى العليين والمتقين يعلم أن كل شيء فانٍ، فيسعى إلى تزكية نفسه، وتطهير روحه، وغسلها بماء الطهارة الصافي، وفي الحقيقة هي من أصعب الأمور ظاهراً وباطناً.

إن الذي يتحكم في النفس مستمعتي هم العقل..والإرادة.. والقلب؛ فالعقل المصحوب بالعلم الاستقلال والاستقامة هو الذي يتحكم في القلب والإرادة..، فكلما قوي عقل المرء وأصبح أكثر حكمة ورجاحة، قوي قلبه وازدادت إرادته وعزيمته.

نعم إن الذي يسعى إلى تزكية نفسه وتحسين خلقه، عليه أن يطهر قلبه من الشوائب قلبا وقالباً، من كل الخبائث والرذائل المدنسة في روحه التي تسيء لخلقه، مثل: (الكذب، الغيبة، النميمة، الغضب...)، وعليه أن يثبت ويهيئ نفسه على: (الصدق، الحلم، الصبر).

وهكذا أينما يتوجه الإنسان فإن أبواب الخير مفتوحة أمامه، فإن لجأ إليها كان من السعداء في الدنيا والآخرة وإن لم يلجأ ندم على كل لحظة قضاها دون استغلال، فكل شيء يعمله المرء في الحياة الدنيا يُنسى ويمحى إلا الخلق والعمل الصالح.

 

 

 

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج ادخلي جنتي- الحلقة الثانية- الدورة البرامجية 64.


 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا