الإمام السجاد (عليه السلام) مدرسة إصلاح وتهذيب
2025/07/21
160

مثّل الإمام السجاد (عليه السلام) مدرسة إصلاحية كبيرة عبر بنائه التربوي والأخلاقي، ولا عجب في ذلك؛ فهو الوارث الحقيقي بعد أبيه الإمام الحسين (عليه السلام) لصفات جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومواساته لعمته العقيلة زينب (عليه السلام)، وهي في مسيرتها الإعلامية لتخليد نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) الإصلاحية.

فهو زينٌ للعابدين.. وهي زين أبيها..

وقد نادى الإمام (عليه السلام) بتهيئة أرضية صالحة لولده الإمام الباقر (عليه السلام)، كما نجده أشاع أدب البكاء والندبة لتحصين الشيعة المخلصين وفق منهج رصين يعتد به.

وفي الأدعية والمناجاة التي وردت عن الإمام (عليه السلام) نجد الاستعطاف والتمجيد؛ فقد عاش الإمام (عليه السلام) بعد أبيه ليحيي مبدأ الإصلاح في المجتمع الذي عاش المجون والفسق وسفك الدماء واستباحة المحرمات، فكان الواعظ والمرشد والهادي والمعلم بأسلوب فيه من التأدب البليغ، واستعمل أسلوب الحوار، فجعل الناس ينظرون إلى أنفسهم في موضع المسؤولية على اختلاف طبقاتهم ووظائفهم، فلهم من الحقوق ما لهم وعليهم ما عليهم من واجبات، ولكن بأسلوب يختلف عن أساليب الوعّاظ والمرشدين.

وحين سُئل الإمام السجاد (عليه السلام) عن كثرة بكائه، فقال: «لا تلوموني فإنّ يعقوب (عليه السلام) فَقَدَ سبطًا من وُلده فبكى حتى ابيضّت عيناه من الحزن ولم يعلم أنّه مات، وقد نظرتُ إلى أربعة عشر رجلًا من أهل بيتي يُذبحون في غداةٍ واحدة، فترون حزنهم يذهب من قلبي؟ أبدًا» (كامل الزيارات: 107).

 ونجد الإمام السجاد (عليه السلام) يستعمل بعض الألفاظ التي فيها معانٍ لا يستغني عنها ومنها قوله في إحدى مناجاته: «اللهم احملنا في سفن نجاتك، ومتِّعنا بلذيذ مناجاتك، وأوردنا حياض حبّك» (بحار الأنوار: 91/147).

ففي كلمات (احملنا.. متعنا.. أوردنا) طلبه الحثيث في الدعاء مع العباد، ودعوته إلى مناجاة الذات الإلهية، ففيها من اللذة النفسية ما فيها، وفيه لفظ (السفن) ومفرده (سفينة)، وقد ركب سفينة الحسين (عليه السلام) مَن قصد الدرجات الرفيعة في الجنة، ودعاهم الإمام الحسين (عليه السلام) إلى ركوبها بـ(بسم الله)؛ فهو مرعاها ومرساها، أليس جده النبي المصطفى محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله) قال فيه: إنّه سفينة النجاة؟!

فهنيئًا لمن وصل إلى مغزى الكلمة وركب السفينة قاصدًا بيوتهم.

فالأنموذج المتحصل من تبادل الدعوة والاستجابة بين القائد والمقود وبين الإمام والمأموم، هي الحقيقة الناجية.

وينبغي الالتفات إلى أنّ ما اشتهر على ألسنة عدد من الخطباء من أنّ (أهل البيت سفن النجاة، ولكن سفينة الحسين (عليه السلام) أوسع وأسرع» لم يؤثر عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، بل أُثر بعد البحث المتواصل أنّه تحليل للشيخ جعفر التستري (رحمه الله) (المتوفى سنة 1335هـ) للدور الثقافي الفاعل لعاشوراء وشخصيّة سيّد الشهداء (عليه السلام) في هداية البشرية ونجاتها، وهذا هو نصّ كلام التستري: «فرأيت في الحسين (عليه السلام) خصوصية في الوسيلة إلى الله، اتّصف بسببها بأنّه بالخصوص باب من أبواب الجنّة وسفينة للنجاة ومصباح للهدى، فالنبي والأئمّة (عليهم السلام) كلّهم أبواب الجنان؛ لكنّ باب الحسين أوسع، وكلّهم سفن النجاة؛ لكنّ سفينة الحسين مجراها في اللجج الغامرة أسرع، ومرساها على السواحل المنجية أيسر، وكلّهم مصابيح الهدى؛ لكنّ الاستضاءة بنور الحسين أكثر وأوسع، وكلّهم كهوف حصينة؛ لكنّ منهاج كهف الحسين أسمح وأسهل» (موسوعة الإمام الحسين (عليه السلام) في الكتاب والسنة والتاريخ: 15).

وتبقى سفينة الحسين (عليه السلام) هي الأسرع في سفن النجاة، ففي دمّه الطّاهر الأثر الكبير في صناعة التأريخ.

 

  • د. سحر المشهدي
__________________________________________
نشرة الكفيل/نشرة أُسبوعيةٌ ثقافيةٌ (مجانية)، تتناولُ المعارفَ القُرآنيةَ، والعقائديةَ، والفِقهيةَ، والتاريخيةَ، والأخلاقيةَ، والتربويةَ، والاجتماعيةَ، والصحيةَ بأُسلوبٍ مبسّطٍ ومختصرٍ، تصدر عن العتبة العباسية المقدسة/ العدد 1030.
تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا