خديجة بنت خويلد.. أمّ المؤمنين وسيدة التضحية

2025/03/13

18
خديجة بنت خويلد.. أمّ المؤمنين وسيدة
التضحية
✍️ أفياء الحسيني
تحلّ ذكرى وفاة السيدة خديجة بنت
خويلد (عليها السلام) لتعيد إلى الأذهان سيرة امرأة عظيمة كان لها
الدور الأبرز في نشأة الإسلام ودعم رسوله الكريم محمد بن عبد الله
(صلى الله عليه وآله وسلم)،فهي لم تكن مجرد زوجة، بل كانت شريكة
رسالته، وأمًّا روحيةً للدعوة، وإنسانةً وهبت حياتها ومالها في سبيل
الله.
خديجة بنت خويلد (عليها السلام) لم
تكن امرأةً عادية في قريش، فقد كانت تُلقّب بـ”الطاهرة” نظرًا
لنزاهتها وأخلاقها الرفيعة، وكانت من أثرى نساء مكة وأكثرهن وجاهة،
ورغم ذلك، لم تتردد في الزواج من محمد بن عبد الله (صلى الله عليه
وآله وسلم) لما رأت فيه من صدقٍ وأمانةٍ ورجاحة عقل. وعندما جاءه
الوحي لأول مرة، كان قلبها الكبير أوّل من آمن به واحتضن رسالته، في
وقتٍ تآمرت فيه قريش على تكذيبه وإيذائه.
لقد وقفت خديجة بنت خويلد (عليها
السلام) إلى جانب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في أحلك الظروف،
فكانت سندًا روحيًا ومعنويًا، ولم تبخل عليه بمالها، بل وضعت كل
ثروتها بين يديه لينفقها في سبيل الدعوة،ولعلّ من أقسى ما واجهته في
حياتها هو الحصار الظالم الذي فرضته قريش على بني هاشم في شعب أبي
طالب، حيث عانت الجوع والعزلة مع النبي، حتى أنهكها المرض وأثقلها
التعب، لكنها ظلّت ثابتةً مخلصة حتى آخر لحظة من حياتها.
بعد وفاة عبد الله ابن النبي (صلى
الله عليه وآله وسلم)، استغلّ الكافرون الفرصة للنيل منه، ووصفوه
بـ”الأبتر”، أي منقطع النسل، متجاهلين وجود بناته، وعلى رأسهن السيدة
فاطمة الزهراء (عليها السلام)،فجاء الرد الإلهي القاطع في قوله تعالى:
“إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ” (الكوثر: 3)، ليؤكد أن من يبغض
النبي هو المنقطع عن الخير، بينما رسالته ستبقى ممتدة إلى يوم
القيامة، من خلال ذريته الطاهرة التي انحدرت من ابنته
فاطمة.
في السنة العاشرة للبعثة، فقد النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) اثنين من أعظم الداعمين له: عمّه أبو طالب،
وزوجته خديجة بنت خويلد (عليها السلام)، فسُمّي ذلك العام بـ”عام
الحزن”،كان وقع رحيلها شديدًا على قلبه، حتى أنه ظلّ يذكرها بحبّ
ووفاء، قائلاً: “ما أبدلني الله خيرًا منها”،فقد كانت الملاذ الآمن،
والصدر الحنون، والإنسانة التي آمنت به حين كفر به الناس، وصدقته حين
كذّبه الآخرون.
رحلت خديجة بنت خويلد (عليها السلام)
لكنها تركت إرثًا خالدًا من العطاء والإخلاص، فسلامٌ عليها يوم ولدت،
ويوم رحلت، ويوم تبعث حيّة، نموذجًا للمرأة المؤمنة المضحية، وأمًّا
لرسالةٍ لن تنطفئ أنوارها.