حرمة المؤمن.. قدسية لا تمسّ
2025/03/04
36
حرمة المؤمن.. قدسية لا تمسّ

✍️ أفياء الحسيني 

تخيّل قلبًا شفافًا، كمرآة تعكس أنوار الطهارة، لكنه سرعان ما يتشظى حين تصيبه سهام الغيبة والافتراء، هكذا هو الإنسان المؤمن، له حرمة تضاهي قدسية الأماكن الطاهرة، فمن انتهكها فكأنما دنس محرابًا منيرًا أو أطفأ سراجًا في ليلة ظلماء، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): “المؤمن أعظم حرمةً من الكعبة” (الكافي، ج2، ص267)، فكيف يهون على البعض أن يهتك هذه الحرمة بالكلام الجارح أو الافتراء أو الغيبة؟

الغيبة، كريح خبيثة تتسلل في الظلام، تسرق من القلوب نقاءها، وتنشر الضغينة بين أفراد المجتمع، يشبّهها الإمام علي (عليه السلام) بالنار التي تأتي على الحطب، إذ يقول: “الغيبة جهد العاجز” (نهج البلاغة، الحكمة 46). فالذي يعجز عن مواجهة الناس بصدقه يلجأ إلى تقطيع أوصالهم من وراء ظهورهم، يغتاب هذا، ويفتري على ذاك، فيبني جدرانًا من الوهم تعزل القلوب عن بعضها.

تخيّل مجتمعًا تسوده الغيبة، كمدينة تآكلت جدرانها بفعل الرطوبة، حتى إذا جاءها المطر لم تصمد أمام العاصفة، فالكلمة الجارحة لا تقتل شخصًا واحدًا، بل تمتد كسلسلة من التآكل تضعف الثقة، وتنهش بنيان المجتمع، فتجعل الفرد متوجسًا، قلقًا، يخشى أن يكون الضحية التالية.

كما للمسجد حرمته، وللعتبات المقدسة هيبتها، كذلك للمؤمن مكانة محفوظة،  يقول الإمام السجاد (عليه السلام) في دعائه: “وألهمْنا معرفة فضله، وإجلالَ حرمته” (الصحيفة السجادية، الدعاء 26)، فإجلال المؤمن ليس تفضّلًا، بل هو امتثالٌ لأوامر الله، وحفظٌ لحدوده، فمن يخرق هذه الحدود فكأنما تعدّى على قدسية بيت الله، أو دنّس محراب العبادة.

يروى أن رجلًا جاء إلى الإمام الحسن (عليه السلام) يشكو سوء معاملة أحد الناس له، فقال له الإمام: “إن استطعت أن لا تسمع منه فافعل، فإنّك إنما أعطيت سمعك من تحبّ” (تحف العقول، ص235)، فالكلمة الجارحة لا تُسمع فحسب، بل تسكن القلب، وتترك أثرًا قد لا يمحوه الزمن.

اللسان مرآة القلب، فإن كان طاهرًا، نطق بالخير، وإن كان ملوّثًا، نشر السوء. فلنكن كمن يُجِلّ الكعبة، يعظّم حرمة المؤمن، فلا نغتاب، ولا نبهت، ولا نخون، فكل كلمة نحملها بين شفاهنا هي إمّا لبنة في بناء الحب، أو معول يهدم روابط الأخوّة.
تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا