بعثة النبي محمد (صلى الله عليه وآله).. ولادة القيم الإنسانية من جديد
2025/01/28
32
بعثة النبي محمد (صلى الله عليه وآله)..
 ولادة القيم الإنسانية من جديد

كانت بعثة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) حدثاً فارقاً في تاريخ الإنسانية، لأنّها أخرجت الناس من ظلمات الجهل والضلال إلى نور الهداية والحق.
لقد انتظر العالم طويلاً ظهور المصلح الذي بشّر به الأنبياء السابقون (عليهم السلام)، فكان خاتمهم (صلى الله عليه وآله) المبعوث رحمةً للعالمين..
جاء هذا النبي الأميّ (صلى الله عليه وآله) في مجتمع مكّي طغت عليه العصبية والنعرات الجاهلية وعبادة الأوثان، لكنه صُقل منذ طفولته على يد جده عبد المطلب وعمّه أبي طالب (رضوان الله عليهما)، وكان يُعرف بـ(الصادق الأمين)، حتى قبل أن يُعلن عن نبوّته.
وفي غار حراء، حيث اعتزل عن الناس يتأمل في خلق الله، هبط عليه الوحيُ لأول مرة، وكانت أول كلمة نزلت عليه هي "اقرأ"، لتكون رسالة واضحة أن العلم والمعرفة هما أساس الدين الذي جاء به، وأن الإسلام دينٌ يدعو إلى العلم والعمل كركيزتين أساسيتين لبناء الإنسان والحضارة، كما يؤكد أميرُ المؤمنين عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام) في نهج البلاغة: «أولُ الدينِ معرفتُهُ، وكمالُ معرفتِهِ التصديقُ به، وكمالُ التصديقِ به توحيدُهُ، وكمالُ توحيدِهِ الإخلاصُ له».
تميزت رسالة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) بمعجزة الكلمة التي تكفّل اللهُ بحفظها، فكان القرآنُ الكريم خطاباً فريداً أعجز العربَ مع بلاغتهم، حتى شهد أحدُ زعمائهم قائلاً: "إنّ له لَحلاوةً، وإنّ عليه لَطلاوةً، وإنّ أعلاه لَمثمرٌ، وإنّ أسفلَه لَمغدقٌ، وإنّه لَيعلو ولا يُعلى عليه". ومن هنا، انطلقت دعوته تنشر النور في أرجاء الجزيرة العربية.
وعبر هذه الدعوة المباركة، لم يكن هدف النبي محمد (صلى الله عليه وآله) مجرد بناء مجتمع متدين فقط، بل كان يسعى إلى إحياء القيم الإنسانية وتعزيز الروابط بين البشر على أساس العدل والمحبة والإحسان، فقد جعل من الدين وسيلة لتحرير الإنسان من العبودية لغير الله، وبنى مجتمعاً يقوم على الأُخوّة والإيثار، كما قال اللهُ تعالى: 
﴿إنّما المؤمنونَ إخوةٌ﴾.
كانت البعثة النبوية بداية لنشر قيم وتعاليم إسلامية عريقة حملت لواء العلم والمعرفة، ونشرت قيم العدل والسلام في أرجاء المعمورة.. وبفضل ما جاء به النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) بمبادئه، وبفضل صدق أصحابه وأهل بيته (عليهم السلام)، انتشر الإسلامُ العظيم ليصبح ديناً عالمياً يمثِّل رسالة السماء إلى الأرض، ويربط بين الروح والجسد، وبين الدنيا والآخرة.
لقد أكّد النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) عبر أقواله وأفعاله أنّ الإسلام رسالة حياة متكاملة، تهدف إلى إصلاح الإنسان من الداخل ليكون مؤهلاً لإصلاح العالم من حوله، فكان خير معلِّم وخير قائد، استطاع أن يُحدث تغييراً جذرياً في نفوس أصحابه وفي المجتمع من حوله.
واليوم، تبقى هذه الرسالة الخالدة مصدر إلهام لكلِّ باحث عن الحقيقة، ولكلِّ مَن يسعى إلى بناء مجتمع قائم على القيم النبيلة التي جاء بها رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فما أحوج الإنسانية في عصرنا الحالي إلى العودة إلى تلك القيم التي توحِّد ولا تفرِّق، وتبني ولا تهدم، لتبقى رسالة الإسلام رسالة أمل ونور للعالمين.

✍️ أفياء الحسيني

__________________________________________

نشرة الكفيل /نشرة أُسبوعيةٌ ثقافيةٌ (مجانية)، تتناولُ المعارفَ القُرآنيةَ، والعقائديةَ، والفِقهيةَ، والتاريخيةَ، والأخلاقيةَ، والتربويةَ، والاجتماعيةَ، والصحيةَ بأُسلوبٍ مبسّطٍ ومختصرٍ، تصدر عن العتبة العباسية المقدسة/ العدد 1005.
تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا