شهر رجب فرصة لإعادة ترتيب الأوراق
2025/01/05
35
شهر رجب فرصة لإعادة ترتيب الأوراق

لهذا الشهر الكريم مكانته المتعددة الجهات والتي بملاحظتها يمكننا أن نعطيه شيئاً من استحقاقاته ومكانته الرفيعة، ففي زمن الجاهلية المنغمسة في شتى الانحرافات والضلالات كانت تولي هذا الشهر الكريم حرمةً ومقاماً، وذلك أنّهم يوقفون كلّ أشكال النزاعات والحروب فيه وكأنّه قانون سُنّ بينهم فلا ينتهكونه.
ولنا وقفة في هذا الجانب لفهم أهمية وفحوى البرنامج العبادي في هذا الشهر الكريم، والذي يتنوع ما بين الصوم والصلاة والدعاء والاستغفار مقترناً بجوائز تبلغ درجة مضاعفة الحسنات.
ولكن المهم في الأمر فهم المقصد والغاية من هذا البرنامج التدريبي والتهذيبي للنفس على ملازمة محراب الطاعة والتورع عن المحارم في محضر الرحمن في هذا الشهر الكريم، إذ الهدف الأسمى من العبادات بمختلف أشكالها اكتساب صفة التقوى والخشية من الله تعالى في كلّ موقف وخطوة وكلمة تصدر عنّا، فيهذب كلّ جوارحنا بلا استثناء من طريق مراقبة اللسان والأذن والسلوكيات والمشاعر.
إذ لا فائدة تُرجى في تكامل أنفسنا إذا حولنا العبادات إلى عادات وطقوس تألفها النفس وتستوحش من دونها، في حين أنّ جوارحنا تنطلق بكلِّ اتجاه محرم، فتتلوث النفس بالمعاصي، ويزداد سوادها حتى تظلم من كلِّ هداية ورشاد.
فمعيار النجاح والفلاح واغتنام الفرص في محطة شهر رجب هو تغيير السلوك والتخلص من النقائص والعيوب وتطهير النفس من العادات القبيحة.
فرصة لإعادة ترتيب الأوراق:
وهذه النزاهة تشمل كذلك مشاعرنا وتخليصها من السلبيات السلبية وتجاهل الآخر والكراهيات، وقد أشرنا إلى أن شهر رجب في زمن الجاهلية تقف فيه الحروب والصراعات احتراماً للشهر الحرام.
وحري بنا أن نجعل محطة شهر رجب استراحة محارب وفرصة لالتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب أوراق حياتنا وعلاقاتنا ومحاسبة أنفسنا؛ وذلك لنقف على مواضع التقصير والأخطاء الصادرة منّا ثمّ الاتجاه نحو تصحيحها ومعالجتها، وهذه الخصومات والنزاعات على مستوى الأفراد والأقارب ناتجة عن الانقياد الأعمى للهوى ووهم الانتصار وضعف الرقابة على الجوارح.
وهذه المحطة الشريفة توفر فرصة للرجوع إلى تحكيم العقل الواعي في خطانا ومشاعرنا، فيتجه بنا نحو تصفير المشكلات والخصومات وتغليب لغة الصفح والتسامح، ومجتمعنا يعج بالكثير من الخصومات التي تحتاج إلى وقفات صادقة لإصلاح ذات البين وإعادة المياه إلى مجاريها وتهدئة الأوضاع وتصفية الخلافات.
ومن نعم الله تعالى أن قدم لنا أنموذجات يحتذى بها وتشكل منهج هداية وتربية للنفس وتهذيبها من الشوائب.. فالأئمة الطاهرون (عليهم السلام) تجسّد في أفعالهم ومواقفهم الكمال الإنساني، وكانوا خير مثال لمن بذل عمره في سبيل الله عزّ وجلّ وتمسكوا بالعطاء في كلِّ جوانبه.
وهذه ذكراهم يحييها المؤمنون من طريق استعراض خصالهم وتفاصيل سيرتهم الشريفة، فمن اتخذهم أسوة حسنة وامتثل هديهم وأقوالهم الحكيمة سار بالنحو الصحيح لاكتساب الخصال الحميدة.
فإحياء ذكراهم المتعددة من أول الشهر إلى نهايته تعزز وتشجع المرء نحو التعلق بمحامد الأخلاق والتجلبب بالطهارة النفسية والحكمة في المنطق والوعي في طريقة التفكير.
صفات شهر رجب:
ومن صفات هذا الشهر الكريم أنّه شهر المغفرة والرحمة التي تنصب انصباباً فيه، وهذا لا يعني أنّها تشمل المتقاعسين والغافلين الذين لا يقيمون وزناً ومكانةً لِـحُرم الله تعالى الزمانية.
فميدان العمل الصالح وصنع المعروف هو الاغتنام الحقيقي لهذه الفرصة، وهذا يعتمد على امتلاك المرء إرادة قوية وتنظيم الوقت لئلا تُطوى صفحة هذا الشهر وهو خالي الوفاض وصفر اليدين من الحسنات.
فالعمل لا يتقوّم بالأماني الواهمة والرغبة بتحصيل هذه الجوائز الإلهية دون عمل وسعي، فالأذكار والأدعية تمثل زخماً روحياً قوياً يوقظ الضمير ويدعم روح الخوف من الله تعالى والانطلاق في ميادين الحياة حذراً من الوقوع في وحل المعاصي والمخالفات.
فمتى ما عظُم الخالقُ في قلب عبده استنكف من إتيان الذنوب، وتعفف عن الآفات الأخلاقية، وتنزه عن النقائص والمعايب.

✍️ السيد فاضل علوي آل درويش

__________________________________________
نشرة الكفيل /نشرة أُسبوعيةٌ ثقافيةٌ (مجانية)، تتناولُ المعارفَ القُرآنيةَ، والعقائديةَ، والفِقهيةَ، والتاريخيةَ، والأخلاقيةَ، والتربويةَ، والاجتماعيةَ، والصحيةَ بأُسلوبٍ مبسّطٍ ومختصرٍ، تصدر عن العتبة العباسية المقدسة/ العدد 1002.
تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا