أبو الغيرة.. المعنى والسيرة
2024/12/18
37
أبو الغيرة.. المعنى
والسيرة
✍️ فاطمة السعيدي
الغيرة هي السعي في المحافظة على ما
يلزم المحافظة عليه، وهي من نتائج الشجاعة وكِبَر النفس وقوتها، ومن
أشرف الملكات، وبها تتحقق الرجولية.
تشمل الغيرة والحمية على الدين،
وتقتضي حفظه من بدع المبتدعين، وانتحال المبطلين، ومعاقبة المرتدين،
وإهانة من يستخف به من المخالفين، والرد على شبهات الجاحدين. كما تشمل
السعي لترويجه، ونشر أحكامه، وتوضيح حلاله وحرامه، مع عدم التسامح في
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
«إن الغيرة من الإيمان».
أما الغيرة على الحريم، فتقتضي حفظهن
وحمايتهن، كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «كان أبي
إبراهيم عليه السلام غيوراً، وأنا أغير منه».
وقد عُرف مولانا أبو الفضل العباس
(عليه السلام) بهذه الصفة الشريفة، وبها تميّز كآبائه الأطهار وإخوته
الأكرمين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين). هذه الغيرة أصبحت مصدر
إلهام للشعراء، الذين حلقوا في سماء الذكرى وهم يصوّرون غيرة أبي
الفضل (عليه السلام)، فقد قام بدور مشرف في رعاية مخدّرات النبوة
وعقائل الوحي، حيث بذل قصارى جهده في حمايتهن وخدمتهن، فكان هو من
يترحلهن وينزلهن من المحامل طيلة انتقالهن من يثرب إلى
كربلاء.
أبو الفضل العباس (عليه السلام) بذرة
علوية غرسها أمير المؤمنين (عليه السلام) بيده وسقاها من معينه،
واحتضنتها أرض طاهرة، هي أم البنين (عليها السلام). فأصبح شجرة شاهقة
أغصانها تعلو سماء العزة والخلود، وجذورها متعمقة في أرض الإباء
والوفاء. نهل المقامات المعنوية العالية، واستحق المديح الصادق على
لسان المعصومين (عليهم السلام).
قال الإمام علي (عليه السلام): «إن
ولدي العباس زُقَّ العلم زقّاً». والزقّ هو إطعام الطير فراخها،
والمعنى أن الإمام علياً (عليه السلام) علّم ولده العباس (عليه
السلام) العلم منذ نعومة أظفاره. هذه الشهادة من أمير المؤمنين (عليه
السلام) تعطي انطباعاً مهماً عن شخصية العباس العلمية، إلى جانب تفقهه
وبصيرته.
قال الإمام الصادق (عليه السلام):
«رحم الله عمي العباس، فلقد كان نافذ البصيرة، صلب الإيمان، جاهد مع
أبي عبد الله (عليه السلام)، فأبلى بلاءً حسناً ومضى
شهيداً».
إضافة إلى نفاذ البصيرة وصلابة
الإيمان، أشاد الإمام الصادق (عليه السلام) بجهاد العباس المشرق بين
يدي سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسيد شباب أهل الجنة.
الجهاد في سبيل الله من أسمى مراتب الفضيلة التي بلغها أبو الفضل
العباس (عليه السلام)، حيث أبلى بلاءً حسناً يوم الطف. لم يُرَ في
التاريخ وفاءٌ أعظم من وفائه لأخيه الإمام الحسين (عليه السلام). ومن
المؤكد أنه ليس في سجل الوفاء الإنساني مثال أسمى من ذلك الوفاء، الذي
أصبح نموذجاً يحتذي به كل إنسان حرّ شريف.
لم يكن جهاد أبي الفضل العباس (عليه
السلام) يوم الطف نابعاً من عصبية أو عنصرية، بل كان غيرةً وحميةً على
دينه. وأشار إلى ذلك في رجزه يوم عاشوراء:
والله إن قطعتم يميني
إني أحامي أبداً عن ديني
وعن إمام صادق اليقين
نجل النبي الطاهر الأمين
برز أبو الفضل العباس (عليه السلام)
في التاريخ الإسلامي كأعظم قائد فذّ لا نظير له. خطّ من الغيرة
عنواناً للبطولات، ليبقى اسمه منارة للكرامة والشجاعة.