نيّة فعل الخيرات
2024/02/23
227

إن معنى النية هي التصميم والعزم على الإتيان بأمر وإجماع النفس على فعله بعد تصوّره والتصديق بفائدته، والنيّة حالة نفسانية وجدانية يعبّر عنها بالهمّة والعزم والإرادة والقصد، ولا يمكن أن يخلو عمل اختياريّ لإنسانٍ من نيةٍ بأيّ حالٍ من الأحوال، فلو أراد شخصٌ ما الإتيان بأمرٍ اختياريٍّ بلا نيّة لما استطاع ذلك مهما حاول.

أهمّية النيّة وموقعها في الإسلام؟
وللنية في الإسلام دورٌ مهمٌّ في إعطاء الفعل والموقف الإنسانيّ قيمته الحقيقية، كما لها دورٌ في تقييم الفاعل أي تحديد قيمته وموقعه أو رتبته الحقيقية، فالإسلام لم يعطِ الفعل العباديّ ولا الفاعل قيمةً ولا أهمّيةً مجرّدة عن النية والقصد وبمعزلٍ عنهما، بل إنّ الفعل العباديّ في نظر الإسلام هو جهدٌ إنسانيّ تحدّد قيمته النيّة والقصد، لأنّ مدار الأعمال على النيّات فهي التي تعطي العمل قيمته الواقعية.

وبما أنّ النية تعبيرٌ عن الموقف الداخليّ، وعن التوجّه الذاتيّ، والحقيقة الباطنة للإنسان التي هي روح الفعل الحقيقية، لذلك فإنّ النية تعدّ أداة كشفٍ عن حقيقة الباطن الإنسانيّ. تلك الحقيقة التي ليس بإمكان الفعل أن يكشفها لأنّ الفعل يمكن أن يخضع لعملية تزوير مقصودة من قبل الانسان، وذلك لأنّه صياغة لجهدٍ ظاهر، يمكن أن يخرجه الفرد بشكلٍ لا يتطابق بالضرورة مع حقيقته الداخلية ومحتواه الباطن.

ومن أجل إيضاح الفكرة أكثر نقول إنّنا نرى الكثير من الناس من يبذل المال، ويبدي حسن الخلق، ويصلّي ويصوم، ونحن نشاهد تلك الصور الظاهرة للأفعال متساوية في الظاهر عند جميع الممارسين لها، فنحسبها سواء، ولكن لتقييمها في نظر الإسلام وسيلة أخرى، ولوزنها ميزان آخر، وهو النية..
فالأعمال الّتي تكون على هيئة واحدة في الظّاهر، مثل الذّهاب للجهاد، لا تكون كلها متساوية في النية والدافع، فيمكن أن يكون الباعث لهذا العمل كسب الغنائم أو الاستعلاء على النّاس والتفاخر بالبطولات، أو قد يكون دافِعُهُ نصرة الحقّ ودفع الظّلم وإطفاء نار الفِتن وأمثال ذلك..
فالذّهاب لِلحرب واحدٌ في الشّكل والظّاهر، ولكن شتّان بين النّيات السّليمة، وبين النّيات المغرضة، ولأجل ذلك، أتت الأوامر بإصلاح النيّة، وتنقيتها من الشّوائب، قبل السّلوك في أيّ طريق، وما السّالك في خطّ الله، والكمال المعنويّ بِمُستثنى عن ذلك، فهل أنّ هدفه من سلوك سبيل التهذيب والرياضة، هو التّكامل المعنويّ، والوصال الحقيقيّ، أم أنّه يريد كسب عنصر القّوة في عالم النفس، والتّسلّط على ما وراء الطّبيعة، ليشار إليه بِالبَنان؟

وما ورد في الحديث الشريف عن النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): "إِنّما الأَعمالُ بالنِّيَّاتِ ولكل امرئ ما نوى"، إشارةٌ لهذا المعنى، وروي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضًا أنّه قال: "إنّ الرجلين من أمّتي يقومان في الصلاة وركوعهما وسجودهما واحد وإنّ ما بين صلاتيهما مثل ما بين السماء والأرض.

وللنية آثار حيث ان العبادة ليست عبارة عن الطقوس البدنية، بل حقيقة العبادة وقوامها بلحاظ الحالة النفسية والنية القلبية، فالعبرة بالقلب والباطن لا بالقالب والظاهر "فحقيقة العبادة هي التسليم للحقّ قلبًا، فمن لم يسلم له قلباً فهو عاصٍ بحقيقة وجوده، ولا تفيد الأعمال الصادرة منه التي هي بصورة البرّ والتقوى، لأنها حينئذ ليست إلّا مجرّد الصورة بلا روح العبودية.

وهذه النية لها آثار كثيرة وخطيرة بينتها روايات أهل البيت عليهم السلام. ومن هذه الروايات ننقل الآتي:

1- النيّة أساس العمل..
عَنْ أبي عَبْدِاللهِ (عليه السلام) في قَوْلِ الله تَعالى: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلً﴾ قَالَ: "لَيْسَ يَعْنِي أَكْثَرَ عَمَلاً ولَكِنْ أَصْوَبَكُمْ عَمَلاً وإِنَّمَا الإِصَابَةُ خَشْيَةُ الله والنِّيَّةُ الصَّادِقَةُ والْحَسَنَةُ  ثُمَّ قَالَ: "الإِبْقَاءُ عَلَى الْعَمَلِ حَتَّى يَخْلُصَ أَشَدُّ مِنَ الْعَمَلِ والْعَمَلُ الْخَالِصُ الَّذِي لَا تُرِيدُ أَنْ يَحْمَدَكَ عَلَيْه أَحَدٌ إِلَّا الله عَزَّ وجَلَّ والنِّيَّةُ أَفْضَلُ مِنَ الْعَمَلِ أَلَا وإِنَّ النِّيَّةَ هِيَ الْعَمَلُ ثُمَّ تَلَا قَوْلَه عَزَّ وجَلَّ: ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ﴾ يَعْنِي عَلَى نِيَّتِه.

2- النية باب سعة الرزق..
هناك روايات رويت بلفظ "من حسنت نيته" ورتبت على "حسن النية" كذلك آثار دنيوية وأخروية، ومن هذه الروايات الآتي:
عن الإمام الصادق (عليه السلام): "ومَنْ حَسُنَتْ نِيَّتُه زِيدَ فِي رِزْقِه".

3- النية طريق المثوبة الأخروية..
ومن الآثار الأخروية للنية ما روي عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) قَالَ: "إِنَّ الله عَزَّ وجَلَّ يَحْشُرُ النَّاسَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".

4- العون على قدر النية..
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:إنّما قدّر الله عون العباد على قدر نيّاتهم فمن صحّت نيّته تمَّ عون الله له، ومن قصرت نيّته قصر عنه العون بقدر الذي قصّر، وهذه الرواية دقيقة وعميقة جدًا فقد ربط الإمام بين المقادير الإلهية وصحّة النية، أي أنّ إبرام المقادير الإلهية والقضاء المحتوم يتوقّف على شاكلة نية الإنسان وحجم تلك النية بحسب حجم همّته، فإنّ العزائم الإلهية تأتي على قدر همم الرجال وهذا الترابط بين الفعل النفسانيّ للإنسان وهو نيته مع الفعل الإلهيّ يشير إليه الحديث النبويّ عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "تفاءلوا بالخير تجدوه".

بصنع الإنسان لنيته وبحسن نيته تصطنع له المقادير، فنية كلّ شخص حظه من قدره.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: إذاعة الكفيل - برنامج زاد الآخرة  - الحلقة العاشرة - الدورة البرامجية 77.


تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا