اعتبروا يا فتياتنا
2023/04/24
967

قال الله تعالى: "ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير، فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ، فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين".

الكلام هنا عن بنتين ولكن من هاتين البنتين يا ترى؟ إنهما بنتا شعيب (عليه السلام) تمنعان غنمهما عن الماء حتى يصدر الرعاء عن الماء ويخلو منهم تحذراً عن المخالطة حتى لو أدى بهم الحال الى الانتظار تحت لهيب الشمس وأشعتها المحرقة وحتى لو أدى بهم الحال فضلاً عن حرارة الجو مقاومة اندفاع الغنم نحو الماء من شدة العطش حتى لو طال انتظارهما في هذه الظروف نظرا لكثرة عدد الرجال الذين هم على البئر وهذا ما يبدو من قوله تعالى (وجد عليه أمة من الناس " فهم يتحملون كل هذه المصاعب والألم في سبيل عدم الاختلاط لأن أباهم شعيب(عليه السلام)  رباهم وغرس بداخلهم ما يؤول إليه الاختلاط من مفاسد وآثام فهما قد ضربوا للفتيات في كل عصر وزمان أروع مثل وأصلح قدوة في هذا المضمار، ولكن ما عليه حال مجتمعنا من انتشار الرذيلة وشيوع الفاحشة وكثرة ميوعة الشباب والبنات فما ذلك إلا بسبب الاختلاط سواء في التعليم أو العمل فقد ادى الاختلاط الى تحريك الغرائز المكنونة داخل الجنسين بدعوى الحب والإعجاب فيعمل الشيطان على اثارة هذه الغرائز وتهييج الشهوات فيحدث ما لا يحمد عقباه وطالما قابلنا شبابا أصابهم الاحباط فدمر مستقبلهم من جراء ذلك فالاختلاط له من المفاسد الاجتماعية والنفسية ما لا يخفى على أحد ونعود الى ذلك الفتى موسى الذي لم يكلف بالرسالة في ذلك الوقت وما حدث منه عند رؤيته حال تلك الفتاتين فهل فعل معهما مثل ما يفعل الشباب المنحل أخلاقيا واعتبرهما صيدا ثمينا فنزل يلقي شباكه عليهما، لا، بل رق لهما ورحمهما مما رأى من حالهما فسائلهما عن حالهما في كلمة موجزة" ما خطبكما "لم يفتح معهما الكلام ولو أراد لفعل مثل أن يقول لهما (لماذا لا تتدافعان وتسقيان غنمكما؟ وهل لكما من أخ أو أب؟ ولماذا لا يقوم بسقي هذه الأغنام؟ الى آخر ذلك من حبال الشيطان ولكن كان كلامه موجز أيما إيجاز حتى لا يفتح للشيطان باباً، أما رد الفتاتين فلم يخرج عن الأدب والإيجاز الذي كان من موسى (عليه السلام) حيث قالتا" لا نسقي حتى يصدر الرعاء "ولم يكتفيا بهذا فقط بل سدا على المخاطب ما قد يود الاستعلام عنه فقالتا" وأبونا شيخ كبير "فيعلم من هذه العبارة انهما ليس لهما ا خاو زوج فليس لهما الا ذلك الشيخ الكبير الذي لا يستطيع مدافعة الجبال وسوق الغنم فسقا لهما موسى بعد هذا الحوار البالغ القصد والإيجاز دون أن يطلب منهما الإذن في ذلك حتى لا يكثر معهما الكلام وهم بعد أن سقي لهما غنمهما لم يوسعاه شكرا أو مدحا فلم يجر بينهما على كل هذا العمل الا ذاك السؤال وتلك الاجابة فقط.

فلما انتهى رجعتا بالغنم سريعا الى أبيهما فأنكر حالهما فسألهما عن خبرهما فقصتا عليه ما فعله موسى فبعث احداهما تستدعيه قال الله تعالى" فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال: "لا تخف نجوت من القوم الظالمين".

فكانت مشيتها على استحياء أي شديدة الحياء وقد سترت وجهها بكم درعها فهذه هي صفة مشية الفتاة، تمشي مشية لا تصنع فيها، ولا تمايل، ولا تتعمد اظهار المفاتن، بل تغطي وجهها فضلاً عن باقي جسدها، استيقظوا أيتها الفتيات، فهذه هي صفة المرأة، تمشي على استحياء وبعدما وصلت إليه ألقت إليه دعوة في أقصد لفظ وأخصره وأحكمه بقولها: "إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا" فمع الحياء الأمانة والدقة والوضوح، لا التلجج، والتعثر والربكة وذلك كذلك من ايماء الفطرة السليمة النظيفة المستقيمة فالفتاة القوية تستحيي بفطرتها عند لقاء الرجال والحديث معهم لكنها لثقتها بطهارتها واستقامتها لا تضطرب الاضطراب الذي يطمع ويغري وإنما تتحدث في وضوح بالقدر المطلوب ولا تزيده، ومن كمال أدبها أنها لم تطلبه طلباً مطلقاً بل حددت له الطالب وسبب الطلب لئلا يوهم ريبه ولا يدخل عليه الشك.

فأجاب موسى دعوة أبيهما وقال لها: امشي خلفي وانعتي لي الطريق وهذا من لطائف الأدب وأبلغ رد على أولئك الذين يتشدقون بالمدنية والحضارة الواهية وينادون بضرورة الاختلاط فموسى (عليه السلام)  لم يمش بجوار الفتاة كما أنه لم يمش خلفها لتدله على الطريق وإنما مشى أمامها حتى لا يدخل الشيطان الى قلبه شيء من وساوسه فهو يسد مداخل الشهوة وأسبابها.

لذا ينبغي أن نتخلق وكذلك نربي أبنائنا وبناتنا مثل هذه التربية الصالحة لأن الأنبياء والرسل هم خير قدوه للناس وخيراً لهم أن يقتدوا بهم فما ان اقتدوا بهم آمنوا شر الدنيا والآخرة ونالوا أعلى درجات المراتب في الدنيا والآخرة من الله(عز وجل).

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج حامل المسك- إذاعة الكفيل- الحلقة الثالثة- الدورة البرامجية 66.

 

 

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا