حرية اليوم
2020/12/19
466

في خضمّ الازدهار الذي يكاد يشمل اليوم كل مفاصل الحياة وعلى كافّة الصُّعد، فإنّ الكثير من الأمور تغيبُ عنا، ربما لشدة انشغالنا في أحداث عصرنا الحالي والسرعة الهائلة التي تمرّ بها أيامنا، ولأنّ هنالك دائماً أولويات لكلٍّ منّا أو لنسمّه اختلافاً في الاهتمامات بين فردٍ وآخر. لكن لا بد من وقفةٍ نولي بها اهتماماً لمجريات الأحداث في العالم من حولنا، حتى تلك الأحداث التي تقع في الجزء الآخر من الكوكب، فهي بشكلٍ أو بآخر ترتبط بنا، كونها تمسّ بشراً مثلنا أو أرضًا ننتمي إليها، أو تخطيطاً لمستقبلٍ يشملنا تأثيره بمحاسنه ومساوئه.

إنّ المقاصد السامية للازدهار والتحضّر لا تنطوي بأي صورةٍ من الصور على المجاهرة بالعمل السيئ، أو تجنّب الاعتراف بتأثيره فينا أفراداً ومجتمعات، ولم نصل إلى هذا المستوى من الانفتاح والتمكّن من التواصل بيُسر في ظرف ثوانٍ معدودة ووفرة استعمال الأجهزة الذكيّة لنُعامل ما هو مُستهجن بطريقةٍ تجعل منه أمراً عاديّاً لا يستحقّ أن يلقى أي اهتمام، أو لنجعل ذكاء البرمجة التي نحيا عن طريقها والتي تتداخل مع أبسط تفاصيل يومنا منذ لحظات الاستيقاظ الأولى، ذات سطوةٍ على بساطتنا الفكرية.

إنّ خطورة الأمر تكمن في أن كل شيء يغدو طبيعيّاً يوماً بعد آخر. حتى إن كنا في قرارة أنفسنا ندرك أنّه ليس كذلك، لكن علامات التعجب بدأت تضمحل، وعلامات الاستفهام فقد عفى عليها الزمن.. الشؤون التي كانت تُثير حفيظة شعوب كاملة، وتفتعل حروباً، باتت اليوم لا تعدو كونها حدثاً ينحصرُ في بضع جُمل مرفقاً بصورٍ أو مقطع مرئي، تليه تفاعلات إلكترونيّة باردة، وملصقات تعبيرية، وجمل مستنسخة أو مسروقة بوقاحة واضحة. لم يعُد هنالك شيء يثير فينا الفزع أو يستوقفنا لأكثر من خمس دقائق ليجعلنا نطرح على أنفسنا السؤال الآتي: ما الذي يجري؟ أين أنا من كلّ هذا، وما دوري؟

الصمت، التقبّل، الشعور بأن الأمر لا يعنيك، هو بحدّ ذاته جريمةٌ كبرى، أن ترى الوقائع العظيمة هذه كأنّها لسان حال العصر! فنحن في القرن الحادي والعشرين! العالم يتغير! كأنّنا نعده تطوراً أو من دواعي الانفتاح والمطالبة باستقلاليّة الرأي، بات الحقّ يرى بشكلٍ عكسي، حق المجاهرة بالجريمة، حق الخروج عن طبيعتكَ التكوينيّة وحقّ انتهاك وجود الآخر.. نحتاج إلى أن نُعيد فهم فلسفة الحرية والتطور الذي يُمليه علينا المطالبون بهذا التحرر، علينا أن نفهم كيف ينحر أحدهم أخاه ثم يقوم بالتسويق للسكاكين على أنّها أداة تمارس بها الحرية المشوهة تلك.

 

 

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: مجلة رياض الزهراء(ع)/مجلة شهرية تختص بشؤون المرأة المسلمة تصدر عن قسم الشؤون الفكرية والثقافية، شعبة المكتبة النسوية في العتبة العباسية المقدسة- العدد164

الكاتبة: مريم حسين العبودي.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا