كيف أكتسب صفة الرفق بالآخرين؟
2020/03/16
1537

أختي الفاضلة سنتحدث عن إحدى الصفات التي لها إرتباط وثيق بنجاح الشخصية في العلاقات الإجتماعية وتقدير مشاعرهم، وهي صفة الرفق وهذه الصفة وإن كانت من صفات الله تعالى وخصائص أوليائه الصالحين إلا أنها قابلة لأن يتصف بها الأشخاص لتصبح ملكة لهم برسوخها في أعماقهم، فيتحول بذلك واقعهم الحياتي إلى واقع رفيع، ويكون مجتمعهم مثالياً وقدوة حسنة للآخرين والواقع أن الرفق يحيي الشفقة والرحمة بخلق الله تعالى والرأفة بهم ومساعدة الضعيف وإغاثة الملهوف والتلطف في محادثة الناس والعطف على الفقراء والمساكين، وهذا يؤدي إلى طاعة الله والشفقة على نفسه من عذاب النار.

أختي الفاضلة إن هذه الصفة المثالية التي هي من الصفات الإنسانية التي تعكس كرم الطباع، وهي أيضاً مفتاح النجاح لمن يريد أن يكون كريماً في مجتمعه وشاخصاً. كما جاء في الحديث عن الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله) وأهل البيت (عليهم السلام) في فضل صفة الرفق وأنها مفتاح النجاة لمن أراد الوصول إلى سلم المجد والمثالية ومن تلك الأحاديث أذكر لك منها: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ألا أخبركم بمن تحرم عليه النار غداً؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الهين القريب اللين السهل)، وقال (صلى الله عليه وآله) في هذه الصفة الرائعة: (الرفق لم يوضع على شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه).

أختي الكريمة إن غرس صفة الرفق ولين الجانب بين عموم المسلمين يخلق جواً من التسامح والرأفة ويرسخ قواعد المودة في العلاقات الإنسانية وهذا من الأمور الضرورية؛ لأن كل فرد يمتلك خصائص من الفطرة ويرغب بإشباع رغبته بأهمية نفسه، فإذا كان الطرف الآخر يلين فسوف تتوازن الخصائص الإنسانية ويكون من السهل مسايرة الآخرين. ومما يروي أن أحد العلماء تزوج فتاة صالحة عفيفة ولم تمض مدة حتى أصيبت زوجته بمرض جلدي شوَّه جمالها فأزري بها فادعى هذا العالِم أنه فقد بصره وبات لا يرى شيئاً، فعاشا سعيدين مدة عشرين سنة حتى توفيت المرأة فأظهر العالِم أنه يرى وكان سبب إدعائه بذهاب نور بصره أول الأمر؛ لئلا تتألم زوجته بسبب تشوه جمالها، كما تلاحظين هذه الشخصية المثالية التي تتحلى بالرفق والشفقة أنها في قمة الإنسانية والشخصية القوية.

أخيتي الكريمة إن التربية الصحيحة ذات المعايير الأخلاقية والمثل الإنسانية المتكاملة هي إحدى الأركان المهمة لسعادة الإنسان ونجاحه، وهذه التربية تجعل من الشخص إنساناً معتدلاً يمكن معاشرته وهي تنظم الغرائز والرغبات طبقاً للمصلحة العامة، وتجعلها منسجمة مع المجتمع وكما تصونه من الإفراط في إرضاء ميوله النفسية؛ فالشخصية أختي نتاج عاملين تتطابق أحياناً وتتشابك أحياناً أخرى، العوامل هما الوراثة والتي تكون عادة صعبة التغيير، والظروف المحيطة والتي تكون قادرة على التغيير بسبب الكثير من المتغيرات، لذا فإن السر في نجاح الشخصية ينبع من قوة الإرادة والقوة في الشخصية والقدرة على التحكم في الذات واحتواء ردة الفعل لدى الآخرين، ولابد أن تكون قادرة على أن تخاطب جميع فئات المجتمع وتؤثر فيه، فهي تخاطب الشيخ والطفل والشاب والمرأة وتؤثر في جميع النفسيات وجميع التوجهات الفكرية لدى أفراد المجتمع، وهذا يعتمد على تقوية الإرادة وترويضها؛ لكي تكون في صلب الشخصية المثالية، وكذلك الحكمة فإنها من صلب عالم التربية للشخصية، وهي معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم، بل هي وضع الشيء من قول أو فعل أحسن مواضعه، وهو الكلام الذي يقل لفظه ويجلُّ معناه.

أختي الكريمة قد يتسائل البعض عن معنى الشخصية، والجواب أنها مسألة غامضة بعض الشيء كالروح وهي تتحدى كشذى الورد، وهي مجموعة ميزات الإنسان الروحية والفكرية والجسدية وميوله ورغباته وتجاربه وتدريباته وطريقة حياته تأتي من الإرادة وتتأثر بالوراثة والبيئة والتربية، ولاشك أن مَن افتقد جانباً من قوة الشخصية، كالوراثة مثلاً فإنه يمكن تقويتها لديه من خلال جوانب كالتربية والتدريب، وهذا يعني أنه يمكننا بالتأكيد أن نجعل شخصيتنا أقوى صلابة وأكثر جاذبية ونسعى للحصول على أقصى ما نستطيع عمله من خلال هذه الجوهرة التي وهبها الله تعالى لنا، فالصفات التي نرثها ليست من النوع الذي لا يمكن تبديله وتغييره ولا من النوع الذي لا يمكن الإضافة عليه بشكل أو بآخر؛ فظروف الحياة والتجارب التي يمر بها الإنسان، وتصميمه الجاد وقوة إرادته.. كلها تشكل عوامل تدفعه إلى زرع الصفات التي يرغب فيها في ذاته لتنمو في شخصيته، وهذا يعني أختي إن ضعفاء الشخصية يمكن أن يصبحوا بمرور الزمن ذوي شخصية قوية، وكما يمكن أن يولد أشخاص أقوياء في شخصياتهم من جهة الوراثة ولكنهم بفعل الظروف الإجتماعية والعائلية يفقدون قوة شخصيتهم إلى درجة كبيرة، ولو نظرنا إلى واقع الحياة العملية لوجدنا أن الكثير من أقوياء الشخصية هم من الذين اكتسبوها من خلال الخطوات العملية التي مارسوها في حياتهم وليس من خلال عوامل الوراثة، وإنهم كانوا يعانون من الضعف في فترات سابقة من حياتهم، وهذا يعني أختي أن كل إنسان يولد بحد أدنى من قوة الشخصية ومن خلال التربية والإرادة والمماسات العملية يكتسب قوة إضافية يضيفها إلى قوته الطبيعية.

كما إن قوة الذات في جميع البشر تمكن في الإلتزام بهدي الفطرة التي يولد بها، وهي تلك الطهارة الداخلية التي تولد الحقيقة، ومنها تنبعث القوة كلها، وأكبر مثال على ذلك قوة جاذبية الأئمة (عليهم السلام) الذين تمتعوا بالطهارة الداخلية التي تولد الحقيقة، ومنها تنبعث القوة كلها، والإلتزام العملي ورفضهم الإنسياق وراء المصلحة الآنية الزائقة.
 
 


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: الشخصية الناجحة - الحلقة الثانية عشرة- الدورة البرامجية 26.


تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا