فن الكلام.. كيف اتقنه مع الآخرين؟
2020/03/16
392

من الصفات المحببة للناس "الشخصية المبهجة" والتي تبعث السعادة والراحة النفسية وتكسر حلقات الوتر، وأفضل طريقة لذلك نكته في محلها تروِّح عن القلوب المتعبة وتزيل الإحتقان من النفوس، فلكي تجعل الناس يرتاحون إليك حاول أن تكون مرحاً ومرتاحاً ومطمئناً في داخلك، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن طبع إبتسامة حنونة على شفتيك يترك أثره الطيب في نفوس الناس وهو لا يكلفك شيئاً، ولا يخفى عليك عزيزتي القارئة فإن الإبتسامة من علامات الإبتهاج وهي مثل الملح للطعام تدخل بكل ما يرتبط بالتعامل مع الآخرين، كما يقول الحديث الشريف: (البشاشة فخ المودة) ولهذا فإن أحسن ما يألف به الناس قول أودائهم، وينفوا به الضغائن عن قلوب أعدائهم هو حسن البشر عند اللقاء وتفَقُّدهم عند غيبتهم والبشاشة عند حضورهم مستمعتي تابعينا بعد هذه الوقفة القصيرة.

عزيزتي، إن على الشخصية الناجحة أن تُحسن التصرف في علاقتها بالآخرين، لإكتساب احترامهم ولتكون قدوة جامعة لكل الأخلاق الفاضلة، عليها إتقان فن الكلام لكي تمتلك شخصية مثالية وجذابة مؤثرة بالآخرين، وهذا من الأمور الضرورية حتى نعرف كيف نجامل الناس إذ بدون ذلك لا نستطيع أن نكسب احترامهم. وبدون أن تكون لك القدرة على إستعماله الآخرين لا تستطيع أن تكون شخصية مؤثرة على المجتمع.

كما وإن بعضنا يتصور أن المجاملة تتلخص في أن تكون غليظاً مع الآخرين إلا أن ذلك هو الجانب السلبي منها، وهناك جوانب إيجابية لابد من مراعاتها؛ مثلاً تتضمن المجاملة المقدرة على تحويل مجرى النقاش إلى الوجهة التي تكسب رضا الشخص الذي تحدثه، ومحاولة كسب قلبه قبل فرض رأيك عليه ومن الطبيعي أن تلك ليست مشكلة مستعصية في التعامل مع صديق تعرفه معرفه وثيقة وتفهمه حق الفهم، ولكن ماذا عساك تفعل لتتجنب إيذاء شعور شخص لا تعرف طبيعة إحساساته؟ إن المجاملة كالصداقة يمكن التدرب عليها متى عرفت سرّها، وشأنها شأن كل عادة أخرى متى اكتسبت رسخت وأصبح من الصعب إقتلاعها.

واعلمي أن المجاملة أمر لا غنى عنه حتى اعتبرها خبراء العلاقات الإنسانية وأصحاب الأعمال في المقام الأول بين الصفات التي لابد منها للنجاح، فإذا أردتِ أن تحصلي على مفتاح النجاح فتدربي على هذه الطرق واعملي بها فسوف ترين مدى النجاح الذي تحققيه.

أختي الكريمة هناك العديد من الطرق التي تؤدي إلى كسب ودِّ واحترام الآخرين أذكر لك منها: إذا أخطأتِ فاعترفي بالخطأ، وإن أفضل الطرق لتصليح الخطأ الإعتراف به شجاعة وصراحة.

والطريقة الأخرى هي عدم الإستهزاء والسخرية من الآخرين بل على العكس اجعلي دأبك أن تشعريهم بأهميتهم. وكما عليك الإستماع أكثر من التكلم، وعليك أيضاً الإبتسامة أكثر من التجهم، والضحك مع الآخرين أكثر مما تضحكين منهم، وتوخي دائماً ألا تخرجي عن حدود المجاملة، ولابد هنا أن نذكر أن المجاملة مطلوبة دينياً وقد جاء التعبير عنها بالمداراة، فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث قال: (مداراة الناس نصف الإيمان والرفق بهم نصف العيش)، وروي أيضاً قال: (أمرني ربي بمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض)، وكذلك إذا أردنا أن نكسب قوة الشخصية علينا أن نكون صريحين.
ليس الأمر دائراً بين أن تكوني فظة غليظة القلب أو أن تكوني ممن تضحي بإحترامها الذاتي من أجل كسب رضا الآخرين، فهناك مستمعتي حل أفضل هو أن تكوني صريحة ولكن مع اللباقة، فإذا تطلب الأمر أن ترفضي أمراً ما فلا تترددي ولكن بشرط أن تحفظي إحترام الشخص الآخر.

أختي الكريمة إن الصراحة ليس معناها أن نتعامل بجفاف مع الآخرين بل تعني أن نفصح عن مواقفنا بلا تردد، ونلاحظ مدى تأثيره على الآخرين.
كما علينا الأخذ بنظر الإعتبار أنه ليس بمقدورنا أن نلبِّي جميع حاجات الناس كلها، فإن من الضروري أن نعرف كيف نقول "لا" في وقتها وبلباقة تامة، كما قال الله تعالى: (قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى)، فعندما نكون صريحين في القول فإننا بذلك نحفظ كرامتنا من جهة وندفع الآخرين إلى احترامنا من جهة أخرى، وإن هناك أشخاصاً يستغلون الطيبين كلما أبدوا الإستجابة لمطالبهم كلما أكثروا من إستغلالهم، إن مثل هؤلاء يجب مواجهتم بكلمة واحدة هي "لا" وبصراحة إن في ذلك راحة للمطلوب وتأديباً للطالب. ولا تنسي المثل الذي يقول "في الصراحة راحة" ومن أهم مواردها أن تقولي رأيك وبصراحة عندما يكون ذلك ضروري، فالرفض القاطع من غير إهانة هو من أفضل ما ينم عن الشخصية القوية، فالناس يحترمون الصراحة أكثر من احترامهم التصرف المتردد الذي يبغي الإنسان من ورائه إخفاء المشاعر الحقيقية التي يحملها.

أختي الكريمة هنا صفة تزيد من قوة الشخصية ونجاحها وهي الإصغاء؛ إن الإصغاء مستمعتي مثل الكلام ليس مطلوباً أخلاقياً فحسب، وإنما هو أفضل وسيلة لإستيعاب الآخرين مثل محاولة التأثير عليهم أو الوصول إليهم، فمن يصغي أولاً يكون في موقع أفضل؛ لكي يؤثر في غيره ممن يتكلم أولاً ثم يصغي، وفي الحقيقة لا يوجد شخص لا يصغي إلى غيره إنما الفرق هو أن البعض يصغي أولاً ثم يتكلم، وغيره يتكلم أولاً ثم يصغي، والإصغاء يعني الصمت وإعطاء الآخرين فرصة للتحدث وإبداء رأيهم وهذه صفة من أبرز صفات أقوياء الشخصية، إلا نرى البحر كلما كان أكثر عمقاً كان أكثر صمتاً ويكفي الصمت أنه حتى الأحمق إذا صمت عدَّ حكيماً، كما يقول الشاعر:

الصمت زين والسكوت سلامة... فإذا نطقت فلا تكن مكثاراً

ما إن ندمت على سكوت مرة... وقد ندمت على الكلام مراراً

جربي في المرة القادمة لدى حضورك إجتماعاً أو مناسبة أن لا تبدأي بنثير آرائك، توقفي لحظة لكي تستوعبي ما يجري حولك، فإذا تمكنت من معرفة ما يحدث لدى الآخرين فستكونين في موقع أفضل للوصول اليهم، ولا تنسي أن الصمت آية النبل وروضة الفكر وربَّ صمت أبلغ من أي كلام. حقاً إن الصمت يكسبك الوقار ويكفيك مؤونة الأعذار، ويقول الإمام علي (عليه السلام): (كلام الأحمق وراء لسانه، وكلام العاقل وراء قلبه).

 

 

 


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: الشخصية الناجحة -الحلقة العاشرة-الدورة البرامجية 26.

 

 

 

 

 
تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا