المجازاة والعدالة وكيفية ترسيخها في الوجدان
2020-12-29 12:00:00
344


عندما يرتكب الطفل مخالفة فنفرض عليه ان يكرر كتابة اسمه خمسين مرة او ننتزع منه لعبته التي يحبها كثيراً أو نعاقبه بدنيا، وهذه تسمى بالعقوبة الاحترازية حيث لا توجد هنا أية صلة بين المخالفة التي ارتكبها الطفل والعقوبة التي أدبناه بها.

احيانا يقوم الاطفال الصغار جداً بتطبيق هذا النوع من المجازاة على الدمى التي بحوزتهم مقلدين بذلك سلوك الكبار، أما أطفال سنوات ما قبل الابتدائية فانهم يقترحون انزال هذا النوع من العقوبات الاحترازية بالاطفال المؤذين –حسب تصورهم بالطبع- ولكن الاطفال الذين يبلغون سن الدخول الى المدرسة الابتدائية يميلون شيئا فشيئاً الى اقتراح العقوبة المقابلة اي العقوبة التي لها نوع صلة بشكل المخالفة.

والمقصود من التقابل هنا أن يكون للمذنب سهم في الفائدة التي تنجم عن إجراء قانون العقوبة على الاقل بمقدار أن تمهد العقوبة الطريق لأن يعود المذنب برغبة ودافع ذاتي الى دائرة العرف المقبول والعلاقات الاجتماعية الصحيحة.. والعقوبة المقابلة لها ستة اشكال:

-المقاطعة: كما لو ابعد الطفل عن الفريق بسبب غشه في اللعب.

-العواقب المادية: كما لو تساهل الطفل في شراء الخبز اللازم لطعام الغداء فعوقب بحرمانه من الخبز القليل.

-الحرمان من الشيء الذي أساء الطفل استخدامه كما لو يحرم الطفل من قراءة الكتاب الذي مزق بعض أوراقه.

-المقابلة بالمثل: إذا كسر الطفل لعبة زميله يقابله صاحبه بالمثل.

-العقوبة الإصلاحية: كما لو بعثر الطفل أثاث البيت فيعاقب بإجباره على اعدة تنظيمها.

-التوبيخ: وهنا لا توجد أية عقوبة سوى إشعار الطفل بذنبه ليعترف بانه مخطئ.

والاستفادة من التوبيخ أسلوب شائع الاستعمال مع الأطفال فوق سن الحادية عشرة أما من هم دون ذلك فلا يجري ذلك معهم؛ لأنهم لا يدركون أساساً معنى المسؤولية الذاتية.

في كتاب الامير الصغير عندما يطلب الملك من الامير الصغير أن يصبح وزيراً للعدل في بلاطه يقول الامير الصغير بأنه لن يحاكم أحداً على وجه البسيطة ويجيبه الملك بحكمة: اذن حاكم نفسك بنفسك وهذا أصعب الأعمال " إن محاكمة الذات اصعب بكثير من محاكمة الاخرين وإن استطعت أن تصدر حكماً صائباً بحق نفسك فأنت جدير بتولي مهمة القضاء.

في الواقع لا يمكن أن نصف طفلاً بانه ناضج على مستوى المعيارية الاخلاقية الا اذا لمسنا منه أنه استوعب الفهم الآنف الذكر للعدالة وجدانياً وأنه يعمل على تطويره الآن بواسطة التعاون والاحترام المتبادل.

والآن نتحدث عن استثمار التجارب الواقعية للاطفال في خلق حالة المساواة والاحساس المشترك:

بغية التعجيل في مسيرة التكامل الاخلاقي ليس هناك اجدر من تنمية الشعور المشترك والاحترام المتبادل بموازاة التحرر من اسر الذات وهذا التحول الكبير يتطلب تمهيد الاجواء للعلاقات الثنائية مع الاقران وتوسيع نطاق التعاطي الاجتماعي بين الفرد والمحيط.

ولا شك أن طرح الالغاز الاخلاقية وإثارة الاسئلة والاستفهامات الواعية والمفيدة في تفسير الوقائع اليومية بواسطة الطفل نفسه يعد خطوة هامة في التقريب بين الهيكلية القائمة لذهن الطفل وبين المراحل الاكثر نضجاً على صعيد التكامل الاخلاقي، ومن خلال هذا الطريق تتاح الفرصة الواقعية لدرك مشاعر الاخرين، ومثال على هذا الأسلوب:

محسن له من العمر خمس سنوات ذهب الى بيت صديقه أحمد ليلعبا معاً تشاجرا معاً وضرب محسن على رأس أحمد بدميته وانتهى اللعب على هذه الشاكلة..
لجأ والدا محسن الى طريقة المساءلة والاستفهام بدلا من الارشاد المباشر والأوامر الصارمة وذلك لتوجيه ولدهما نحو الشعور الامثل.

قال الأب لمحسن: ماذا حدث اليوم أثناء لعبك مع أحمد؟ لقد ضربت أحمد بدميتي، الأم: وهل كان عملك هذا صحيحاً؟ محسن: كلا..

الأم: لماذا؟ محسن: لأن الضربة آلمته، الأب: وهل حزن أحمد؟

محسن: نعم وتصور انني لا أحبه، الأب: وماذا يعني ذلك؟

محسن: أنا أحزن كثيراً من هذا التصور، الأم: إذا لعبت معه مرة أخرى ولم يصغ لكلامك ماذا ستفعل؟ محسن: لن أضربه.

الأم: وكيف ستحلان المشكلة؟ محسن: لا أدري، الأم: أعتقد أن بامكانك أن تذهب جانباً وتلعب لوحدك وعندها سيقترب منك أحمد بدافع حب استطلاع ويأتيك لاجل ان يعرف ماذا تصنع، محسن: وماذا لو لم يفعل؟

الأم: بمقدورك ان تقول له: أريد أن اذهب الى البيت اذا لا تريد أن نلعب معاً يا أحمد، الاب: والآن ماذا ستفعل لتدخل السرور على قلبك وقلب أحمد؟ محسن: اتصل به هاتفيا واعتذر منه
وكما تلاحظون أن والدا محسن هنا قد سلكا أسلوب طرح الاسئلة لأجل مساعدة ابنهما على اكتشاف الحل الصحيح والمنطقي المتناسب مع خصائص المرحلة الأعلى من مراحل التكامل الاخلاقي للطفل، والهدف الاصلي من استخدام هذا الاسلوب ليس هو حمل الطفل على الشعور بالتقصير ولكن يراد منه أن يراعي عواطف ومشاعر الاخرين لتوطيد اسس تكامله الأخلاقي.

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج العماد الراسخ -الحلقة الخامسة.

 

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا