الأمومة المثالية
2020-11-01 12:51:01
294

كثيرات هنَّ الأمهات اللواتي يعتقدن أنَّه من الواجب تجنيب أولادهن متاعب الحياة كافة والعمل على راحتهم منذ الصباح حتى آخر الليل، وشيئاً فشيئاً تتحول حياة الأمهات إلى سلسلة من الإرهاق المتواصل، وتتحول الأم إلى مدبرة منزل لا تجد حتى الوقت الكافي لمتابعة النمو النفسي لشخصيات أولادها، ولكن ما هي الحصيلة؟

سنفاجأ بعد مرور السنين بأنَّنا صنعنا من أولادنا أشخاصاً إتكاليين، فاشلين، غير قادرين على تحمل المسؤولية، وغالباً أنانيين، فهل هذا هو ما نريد؟
والسؤال -هنا- هو كيف نحقق التوازن؟ وكيف نبني الشخصية السليمة المتوازنة القادرة على تحمل المسؤولية من جانب، والخالية من العقد من جانب آخر؟
المفتاح الأساسي هو أنَّ الأم هي الشخص الأول الذي تقع على عاتقه إكساب الطفل المهارات مهما كانت بسيطة؛ لأنَّها سوف تتحول فيما بعد إلى إبداع وتكسب الطفل ثقة في النفس.

كيف نكسب الطفل المهارات؟

لكي نكسب الطفل المهارات والخبرات علينا باتباع الآتي:

1- التدرج: 

أي يجب البدء بتعليم الطفل كيف يقوم باحتياجاته الخاصة ثم التدرج في صعوبة المهام مع زيادة عمر الطفل، وعن طريق إرهاف الحواس نعرف ما هي الأمور التي يستطيع أطفالنا القيام بها؛ لأنَّ الطفل لن يقول: «لا أعرف» بل سيتهرب من القيام بالعمل، عندها يجب تدريبه عملياً كيف يقوم بالعمل.

2-لا بد من التدريب العملي: 

لن نصل إلى نتيجة مرضية عن طريق إصدار الأوامر للطفل؛ لأنَّ إعطاء التوجيهات أمر يتقنه الجميع، فالخطوة الأولى هي تدريب الطفل عملياً على القيام بالمهمة، فمثلاً لا نقول له: «اربط حذاءك» بل نريه عملياً كيف يقوم بالربط، وإن كلَّفنا ذلك تكرار المحاولة عدة مرات، ونشرح له سبب الخطأ في كل مرة، قد تقولي: «أليس من الأسهل لي لو ربطت حذاءه في كل مرة! على أن أتكبد هذا العناء!»، ولكن الهدف من ذلك العناء هو الرقي بأطفالنا نفسياً وعملياً.

3-حذار من تأنيب الطفل في مرحلة التعلم: 

فمرحلة التدريب تحتاج إلى صبر بالغ؛ لأنَّ الطفل لن يقوم بأي أمر بشكل ناجح من المرة الأولى، ولكن لا يجوز تأنيب الطفل إذا فشل في مرحلة من مراحل اكتساب أي مهارة؛ لأنَّ التأنيب والتوبيخ سوف يولِّد الفشل واليأس في نفس الطفل، وكما ذكرنا ليس المهم هو إنجاز العمل؛ لأنَّني يمكن أن أنجزه بنفسي بشكل أسرع، وإنَّما المهم إكساب الطفل مهارات الحياة التي سيواجهها بمفرده عاجلاً أو آجلاً، ولأنَّ التأنيب إنَّما يكون من أجل ذنب متعمد، ومن المؤكد أنَّ الطفل ليس مقصّراً، وإنَّما يكون التقصير في طريقة التدريب نفسها، فلكل طفل الطريقة التي تناسب شخصيته في التدريب.

4-صياغة سبب الخطأ بعبارات دقيقة وواضحة: 

عندما يفشل الطفل في القيام بمهمة ما يجب أن نوضح له أسباب القصور في طريقته ونعود لنريه الطريقة الصحيحة علمياً إذا لزم الأمر، فمثلاً عندما لا تعرف الطفلة كيف ترتب سريرها لا نقول لها: «أنت غير مرتبة أو أنت خرقاء لا تعرفين كيف ترتبين سريرك بعد»، بل نوضح بالتفاصيل ما سبب هذه النتيجة كأن يكون اللحاف غير مستوٍ من أحد الجوانب أو الشراشف غير مشدودة كما ينبغي، فينبغي التركيز على نقاط الخطأ وليس مهاجمة شخصية الطفل؛ لأنَّها لن تصلح ما فسد من العمل بل ستفسد ما هو صالح من شخصية الطفل.

في أحد أيام الربيع كان مدرب التنس يعلِّم تلميذاً فن ضرب كرة التنس، وبينما كان التلميذ يكرر رمي الكرة في الهواء، ثم ضربها بمضرب التنس، كان المدرب يركز انتباهه على كل جزء من حركات التلميذ وعلى طريقة تحريك جسمه، ولم ينتقده المدرب أبداً، وإنَّما كان يعطيه ملاحظاته بعد كل ضربة حول وضعية المضرب، وارتفاع الكرة عند رميها في الهواء وزاوية انحراف المضرب عند ضرب الكرة، وحركة التلميذ بعد ضرب الكرة.
ولا بد في لعبة التنس من سقوط الكرة في منطقة محددة على أرض الملعب حتى تعد الضربة ناجحة، ومع ذلك من المفاجئ أنَّ المدرب لم ينظر أبداً أين كانت تسقط الكرة بعد أن يضربها التلميذ، وبدلاً من ذلك فقد كان كل اهتمام المدرب وكل اقتراحاته منصبة على تحسين كل خطوة أو حركة من لعب التلميذ.
لقد كان المدرب متأكداً من أنَّه عندما يتعلَّم التلميذ مهارة كل جزء من الضرب على حدة فإنَّه يستطيع أن يضم هذه الأجزاء إلى بعضها، وستقع الكرة بالتالي في المكان المناسب.

5- إيجاز الكلام وتجنّب اللحن الرتيب في الكلام: 

عند التعبير عن الفكرة الواحدة بأكثر من جملة يمل الطفل من السماع ولا ينصاع للأوامر، فمثلاً عندما يترك الطفل ملابسه على السرير لا تقولي له: «كم مرة قلت لك أن لا تترك ملابسك على السرير، أنت تبعث الفوضى في المنزل، تعبتُ من الجري وراءك وترتيب أمورك»، بل يكفي أن تقولي مثلاً: «علِّق ملابسك»، فتوفري الوقت واللغو والتفسيرات المملة، حيث يقول تعالى في كتابه الكريم: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾.

6- تعزيز السلوك الإيجابي: 

من الأمور الضرورية هي تشجيع الطفل عندما يقوم بإنجاز ما ومكافأته بعبارات تعزز ثقته بنفسه، فمن الأهداف الأساسية للعملية التعليمية تنمية حس السعادة عند المتعلم، والتي تأتي من شعوره بالإنجاز الذاتي، وشعوره بامتلاك زمام نفسه وانضباطه وشعوره بالثقة بقدراته واحترامه لنفسه، كما أنَّ التريث والمصابرة والانتظار هي خصال تتسق مع سنن الكون القائمة ونظمه، فالزرع لا ينبت ساعة البذر، ولا ينضج ساعة النبت، بل لا بد من المكث شهوراً حتى يجتنى الحصاد المنشود، والجنين يظل في بطن أمه شهوراً حتى يستوي خلقه، قال تعالى: ﴿وَالْعَصْر* إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾.

 

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج عالم الأمومة-الحلقة الثامنة.


تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا