أهمية الأمومة في حياة الأبناء
2020-11-01 10:18:59
525

إنَّ الطفل في مراحله الأولى يرى في والديه القدوة والأسوة، فينطلق إلى محاكاتهما، وتقليدهما في الألفاظ والحركات والسلوك، بل إنَّ اللغة التي يتعلّمها الطفل إنَّما يتلقّاها من والديه، ثم ممن يحيطون به، فمن هنا كانت مسؤولية الوالدين -لاسيما الأم- عظيمة في تنشئة الطفل تنشئة صحيحة تتّفق مع المنهج الإسلامي الحكيم الذي وضع أسس التربية الصالحة.

الأهمية الدينية للأمومة:
هناك -أيَّتها الفضليات- أولويات ينبغي غرسها في الطفل، وأول تلك الأولويات العقيدة الإسلامية متمثلة في أركان الإيمان، ثم أركان الإسلام، ومما يدل على أهمية تربية الوالدين وأثرها في عقيدة الطفل قوله(ص وآله): «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه»، وهو الأمر الذي جسَّده القرآن الكريم في وصف والدين صالحين يدعوان ولدهما إلى الإيمان، لكن بعد فوات الأوان حينما شبَّ وكبر، يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ الله وَيْلَكَ آَمِنْ إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾، وثاني الأولويات بعد العقيدة هو التشريع، وهو ما حثَّ عليه النبي(ص وآله) وجعل مسؤولية ذلك تقع على عاتق الوالدين يقول: «علِّموا أولادكم الصلاة إذا بلغوا سبعاً، واضربوهم عليها إذا بلغوا عشراً، وفرِّقوا بينهم في المضاجع»، ثم يأتي بعد التشريع الأخلاق، وتكون بتعويد الأولاد على محاسن الأخلاق كالصدق والأمانة وتحذيرهم من مساوئ الأخلاق كالسرقة والكذب والخيانة والسباب والشتائم، وعلى الأم أن تحرص ألّا تأمر بما تذهب هي إلى ما يخالفه، فإنَّ ذلك سينعكس على سلوك الولد.

الأهمية الاجتماعية للأمومة:

من المعلوم إنَّ البيئة الاجتماعية لها أثر كبير في شخصية الإنسان، وهو الأمر الذي لم يكن يجهله قوم السيدة مريم حين قالوا كما في الآية الكريمة: ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا﴾.
وهناك تداخل بين النواحي الأخلاقية والاجتماعية والنفسية، فالإيثار هو خلق له طابع اجتماعي ونفسي لا ينفك عنه، وكذلك العفو، لكن ما نريد أن نركز عليه من الناحية الاجتماعية هو الانبساط في سلوك الطفل الذي تؤدي فيه الأم الدور الأكبر، فعليها أن تنشئ ولدها على الاختلاط بالناس، وتجنّبه العزلة والانطواء ليكون له دور فاعل في المستقبل، من هنا سنَّ الإسلام تشريعات تكفل تحقيق الألفة بين الأفراد، وهي الآداب الاجتماعية كآداب السلام والاستئذان والحديث والتهنئة والتعزية والعطاس وعيادة المريض، فالأم هي أول من يكوِّن عند الطفل منطلق العلاقات الإنسانية، فلا بدَّ  للطفل أن يتجاوز أمه إلى العالم الخارجي، ولا شك أنَّ العلاقة بين الأم والأب ستنعكس على سلوك الطفل ونفسيته، إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
الأهمية النفسية للأمومة:
من سنن الله في الأنفس أنَّه أودع المحبة والسكن في الأم للولد، وفي الولد للأم، هذه هي السنّة القويمة السوية، ومن ثم أوجب الله على الأم إرضاع ولدها فقال تعالى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾، والرضاع يولّد العلاقة بين الأم والطفل فيكون لصيقاً بها، الأمر الذي أكَّده البحث العلمي حيث أوجب وضع الوليد على تماس حسي مع الأم بعد الولادة مباشرة؛ وذلك لأهمية هذه اللحظات في مستقبل العلاقات اللاحقة بين الطفل والأم، وبين الطفل ومجتمعه، وذلك ليشعر بدفء الأم وحنانها منذ اللحظات الأولى من عمره، فإنَّ لذلك أثراً كبيراً في تكوين الطفل الاجتماعي، ومن ثم فإنَّ الأم اليقظة لسلوك ولدها وحاجاته والقريبة منه تعزز لديه الثقة بالكبار فيعمّمها على الآخرين ولا يشعر بالرهبة والفزع عند رؤيتهم، بينما تكون الأم القليلة الحساسية على العكس من ذلك مما يخلق لديه الشعور بالقلق، فالطفل إذا شعر بالأمن في علاقته بأمه يكون أقدر على التفاعل الاجتماعي مع أقرانه والمحيطين به، ومن ثم كان الجو الذي يحاط به الطفل له الأثر الكبير في حياته؛ لذلك كله كانت المحاضن والمراضع نقمة على الطفل؛ لأنَّها لا توفر له تلك الضروريات التي تكلمنا عنها، وفائدة حب الأم للطفل أنَّه ضمان مؤكد لاستمرارية حياته وتلبية حاجاته، أما أنَّه ضمان لاستمرار حياته فإنَّ لذلك مظهرين:

 الأول:- إنَّ رعاية الطفل والمسؤولية عنه ضرورة مطلقة لحفظ حياة الطفل ونموه.
الثاني:- يذهب إلى أعمق من مجرد الرعاية، فهو يغرس في أعماق الطفل ومشاعره أنَّ هناك ما يستحق أن يعيش من أجله، وأنَّ الحياة شيء مفيد وجميل، فالأم هي النافذة التي يطل منها الطفل على العالم، لذلك عليها تربيته على حب الخير للآخرين والجرأة، حتى يشعر بكيانه وقدرته على التفاعل مع المجتمع، فإنَّه إذا تربّى على الخجل والخوف والشعور بالنقص ولَّد ذلك في نفسه الحسد والغضب وكره المجتمع ومن ثم يصبح عدوانياً.

الأهمية الخلقية للأمومة:
إنَّ انحراف الأم والأب الأخلاقي سيولِّد -لا محالة- الانهيار الأخلاقي في الأسرة؛ لأنَّ الوالدين هما القدوة العليا للطفل -لا سيما في سنيِّه الأولى- فكما قيل: 
إذا كان ربُّ البيت للدف ضارباً... فشيمة أهل البيت كلِّهُمُ الرقصُ

ذلك لأنَّ الطفل في سنيِّه الأولى لا يحسن سوى التقليد حتى تتهيأ له مصادر أخرى للمعرفة فيما بعد كالمعلم والصديق وغيرهما، ولقد ضرب الله سبحانه وتعالى مثلاً للأم الصالحة «أم مريم»، حيث قال تعالى في كتابه العزيز: ﴿وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا﴾ بشهادة القوم، ولذلك اتجهت إلى تنشئة ابنتها مريم تنشئة صالحة، فقالت كما جاء في الآية الكريمة: ﴿وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾.

وكذلك الأب حيث قال تعالى: ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ﴾، فهذه البيئة الصالحة أنتجت تلك المرأة الصالحة في المجتمع وهي «مريم»؛ لذلك كان للبيئة الدور الأكبر في التنشئة الأخلاقية، ومن ثم كانت ظاهرة السباب والشتائم تعكس سوء التربية الأخلاقية للولد.

 

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج عالم الأمومة-الحلقة الخامسة.

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا