أزمة القدوة
2020-07-07 08:32:40
429

أخواتي تعد القدوة في حياة الانسان مصدراً أساسياً من مصادر التربية التي من خلالها تتكون ملامح شخصيته، وهي الهدف الذي يسعى إليه ليجد فيه كمالاته التي ينشدها.

ولكن، إذا تأمّلنا من حولنا في الواقع الذي يعيشه أطفالنا، نراهم متأثرين جداً بشخصيات متعددة، إما كرتونية أو خرافية، وحتى واقعية، ولكنها تحمل أفكاراً غربية بعيدة من ثقافتنا العربية وحتى الإسلامية، هذه الشخصيات في تواصل دائم مع أولادنا من خلال الشاشة الصغيرة "التلفاز"، حيث يمضون في مشاهدتها ساعات طويلة دون ملل أو كلل، ولكن الأهم:

-إلى أيّ مدى تؤثر هذه الشخصيات في أطفالنا، وخصوصاً مع محاولة عدد من الأطفال تقليد بعض منها؟

-وما هي المخاطر التربوية التي يرصدها المتخصِّصون في هذا المجال؟

-والسّؤال الأهم: كيف نزرع القدوة الحسنة في نفوس أبنائنا؟

على الأهل أن يحرصوا على أن يرى فيهم الأولاد صدق المواقف والتربية، فقد نرى كثيراً أن الأهل يمنعون أولادهم من رؤية فيلم على التلفاز لأنّه غير أخلاقي، ولكن عندما يرى الأولاد أن آباءهم يحضرون هذه الأفلام مثلاً، فسوف يكون كلامهم كالهباء المنثور، ليس له أيّ وقع في نفوسهم، وبالتالي، عندما تغيب عين الأهل عنهم، سوف يحضرون هذه الأفلام، مبرّرين ذلك بأنّها لو كانت حراماً لما فعلها أهلهم.

فعلى الأهل أن يراعوا هذه النقطة أشد المراعاة، لأنَّ شاشات التلفزة أصبحت رفيق كل بيت يدخل بيوتنا من غير استئذان، فكما تحرص أيها الأب على أن تختار لابنك أصدقاءه خوفاً من الفلتان، فاختر لولدك الشّاشة الملتزمة، وكن صادقاً في فعلك وقولك.

وينبغي ان نعلم اخواتي باننا اذا أهملنا الاعتناء بموضوع القدوات؛ سينحدر وضعنا، ونتأخر عن غيرنا، ونخسر كثيراً، ولو عدنا إلى الاهتمام بالقامات القدوة؛ لانتشر بيننا العلم الرصين، وزاد لدينا العمل المتين، واختفت العقبات، وتلاشت المنكرات، وعاد إلينا الكثير من عزنا المفقود، ومجدنا التليد.

إذ كيف يكون القاضي قدوة وهو يتأخر عن الدوام الرسمي، وكيف يكون الموظف قدوة وهو ضعيف الانتاج، وكيف يكون الطبيب قدوة وهو يدخن مثلا، وكيف يكون المسؤول قدوة وهو يضيع المال، وكيف يكون المعلم قدوة وهو يهمل التعليم للطلاب، وكيف يكون الأب قدوة وهو مشغول بالجلسات والسهرات، غير عابئ بالتربية، ولا مهتم بالمتابعة.

فإنه مهما اتسعت فينا دائرة المعارف، ومهما تطورت عندنا التقنيات، ومهما زادت لدينا المشاريع والأموال ؛ فإنَّنا بحاجة ماسة إلى إبراز القدوات الحسنة، وإظهار النماذج المميزة، ومن ذلك بيان سيرة الرسول صلى الله عليه واله وسلم (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ • إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ) وكذلك سير الائمة الكرام "ع" ، والعلماء والمصلحين، لكي تكون واقعاً عملياً للحياة نسير عليها، فترتفع بذلك الهمم، وتعلو الطموحات، وتنضج الأفكار. 

قال تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ).
وفي الختام أخواتي فإن أولادنا هم عيّنة مصغرة عنّا، عن أخلاقنا وقيمنا، يتصرفون كما نتصرف، ويتحدثون كما نتحدث، وينطقون بما نعلمهم وبما ننطق، فلنسع لتقديم النموذج الحسن في سلوكياتنا وأقوالنا وأفعالنا، ولنراع الله في علاقتنا معهم، حتى نكون لهم الملجأ والأمان والقدوة الحسنة في هذه الحياة، حتى لا ينفروا منّا ويجدوا ضالّتهم عند مشاهير وشخصيّات فنيّة أو وهميّة، لا تجلب لهم الخير، وربما تقودهم إلى ما لا يحمد عقباه.

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج عبق الزنبق-الحلقة الأولى-الدورة البرامجية-57.

 

 

 

 

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا