أطفالنا وأهمية الغذاء الروحي
2020-03-05 09:16:27
2264

قال تعالى في كتابه الحكيم: ﴿فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ﴾ كما أن جسم الطفل يحتاج إلى غذاء، فإن روحه أيضاً تحتاج إلى غذاء، فإن النمو الطبيعي والاعتيادي لجسم الطفل يكون نتيجة التغذية السليمة، والنمو الكامل لروح الطفل يخضع أيضاً لأسلوب التغذية التربوية الصحيحة والتنمية النفسية السليمة.

وإن التفكر في المواد الغذائية والدقائق الموجودة في عالم النبات والحيوان يدفع الانسان إلى الإيمان بالله والمعاد، كما أنها تعد من زاوية العلوم الطبيعية مجالاً واسعاً للبحوث العلمية والاستنتاجات المفيدة منها. لكن الامام الباقر والامام الصادق عليهما السلام يفسران الطعام في هذه الآية بالعلم: فعن أبي جعفر في قوله تعالى: (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ) قال: علمه الذي يأخذه، عمن يأخذه فلينظر الانسان إلى طعامه" وعن أبي عبد الله في قوله تعالى: (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ) قلت: ما طعامه ؟ قال: علمه الذي يأخذه، عمن يأخذه".

وبالاضافة إلى الحديثين السابقين نجد الأئمة (عليهم السلام) يعبرون في موارد أخرى عن التعاليم الروحية بـ (الغذاء) أو (الطعام)، ويعتبرون التعلم غذاء للروح. وسيكون بحثنا معتمداً على هذين الحديثين لننطلق منهما إلى التعليم والتربية على أساس هذا التعبير، أي باعتباره غذاء روحياً. 

إن الانسان كسائر الأحياء يحتاج إلى الغذاء، فبالغذاء يستطيع أن يستمر في حياته، وإذا لم يتناول طعاماً فانه يموت. فإن الميول الانسانية التي هي مصدر النشاطات المختلفة تستيقظ بعد تناول الطعام وتدفع الانسان إلى الحركة والعمل والسعي.

وفي العصور المظلمة كان بعض الناس يتوهمون أن الأنبياء لا يحتاجون إلى الطعام لمنزلتهم السامية، ولذلك فقد جاء القرآن الكريم مفنداً هذه النظرة بصراحة: ﴿وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ﴾ والجوع هو من أخطر حالات الانسان وأدقها تأثيراً، حتى كأن الجائع ينسى دينه وإيمانه، ويغفل عن الحنان والعاطفة. ومن أجل أن يملأ بطنه ينقلب إلى حيوان مفترس، وكذلك روح الانسان فهي حية بالغذاء الروحي، فالانسان المحروم من التربية المعنوية والبعيد عن العلم لا يملك حياة انسانية أبداً، وإن الجهاز الروحي للانسان بما فيه الروح، والنفس، والمخ، والعقل ليس متصلاُ مع المحيط الخارجي بصورة مباشرة، والطريف هنا أيتها الاخوات أن أثر الطعام لا يقتصر على جسم الانسان منتجاً آثاره الصالحة أو الفاسدة، بل انه يترك من الجهة المعنوية آثاره الحسنة أو السيئة على روح الانسان، وهذا الأمر متسالم عليه من قبل العلماء المعاصرين، وقد صرح الاسلام بذلك في تعاليمه القيمة.

يقول الامام الرضا (عليه السلام): "إن الله تبارك وتعالى لم يبح أكلاً ولا شرباً إلا لما فيه من المنفعة والصلاح ولم يحرم إلا لما فيه الضرر والتلف والفساد" فتحريم الأشياء إذن أو إباحتها عن أساس المصالح والمفاسد لا أكثر.

وإذا لم تكن قيمة التغذية الروحية أعلى من قيمة التغذية المادية فهي ليست أقل منها، فمن الضروري مستمعتي أن يبذل الاهتمام للغذاء الروحي بنفس النسبة من الاهتمام بالغذاء المادي، والذي يرغب في أن يكون سعيداً يجب عليه أن يلتفت إلى سلامة غذائه الروحي كالتفاته إلى سلامة غذائه المادي. فإن خطر التسمم الروحي أشد بكثير من خطر تسمم الجسم، وعلى الرغم مستمعتي من أن الاهتمام بسلامة الغذاء بنوعيه ضروري في جميع مراحل الحياة ويجب أن يخضع لرقابة شديدة دائماً، لكن مما لا شك فيه أن سلامة التغذية الروحية والمادية بالنسبة إلى الطفل أهم منها بالنسبة إلى الشاب أو الشيخ، لأن مرحلة الطفولة هي المتعهدة ببناء كيان الطفل روحياً وجسدياً، وإن خطأ واحدا يمكن أن يؤدي إلى انحراف الطفل عن طريق السعادة وبقاء آثارها السيئة طوال أيام حياته... ذلك أن اللبنة الأولى في بناء البيت إذا وضعت بصورة منحرفة استمر البناء في انحرافه مهما علا في السماء.

وإن كثيراً من الأفراد بالرغم من أنهم يملكون أسساً وراثية جيدة يعجزون عن إدارة حياتهم يسبب العيوب المكتسبة التي لا يقل تأثيرها عن العيوب الموروثة
ويمتاز المتقدمون في السن عن الأطفال في أنهم بفضل وجود العقل يملكون قوة دفاعية، فمن الممكن أن يقيسوا الأشياء التي يسمعونها أو يقرأونها في الكتب بعقولهم، فإن لم تكن صحيحة رفضوها...وبعبارة أخرى يستطيعون طرد الغذاء العقلي الفاسد من المخ ويمتنعون عن هضمه. 

أما الطفل فلضعف إدراكه لا يملك قوة دفاعية تجاه المستوردات الفكرية الفاسدة، فهو يتقبل كل كلام فارغ، وكل عقيدة باطلة، وكل أسطورة مسمومة، وكل قول هدام... ويثبت ذلك في تفكيره وتستمر آثاره الفاسدة إلى مدى الحياة. 

نعم إن الأطفال الناشئون على الأساليب التربوية الفاسدة لا يلتذون بحلاوة الفضيلة التي هي الطعام اللذيذ لروح الانسان، ذلك أن أرواحهم مريضة والمريض لا يلتذ بالطعام اللذيذ.

لقد وجدنا أن الجسم يستطيع أن يعيش مع التغذية الناقصة، وينمو قليلاً. ولكن عندما يصاب بمرض سار فلا يستطيع مكافحته إذ يواجه اختلالات عديدة، فالآلام الشديدة تقض عليه مضجعه وقد تؤدي به إلى الموت. 

وكذلك الروح فانها تستطيع أن تستمر على الحياة مع التغذية الروحية الناقصة، ويكون الفرد حينذاك فرداً اعتيادياً في المجتمع ظاهراً ولكن في المواقف الحرجة، وأمام الحوادث المؤلمة، لا يملك قدرة المقاومة وأخيراً يفشل في المعركة وينسحب بعد أن فقد شخصيته.

 ومما تقدم يتبين لنا إن كلا من الروح والجسد يحتاج في تأمين سعادته ووصوله إلى كماله اللائق به إلى الغذاء الكامل والجامع. وإن فقدان أي عنصر من الغذاء يهيىء تربة مساعدة للانحراف أو الضعف في الروح والجسد. 

وبالرغم من ضرورة المراقبة الغذائية اللازمة في جميع مراحل الحياة، لكن مرحلة الطفولة تحتاج إلى مراقبة أشد، ذلك أن الطفل ينمو في الأعوام الأولى من حياته بصورة أسرع، ويتكامل بناؤه الفكري أكثر سرعة.

إذاً، ايتها الاخوات فإن عبء مسؤولية الوالدين في هذه المراحل ثقيل جداً. فان الغفلة عن سلامة الغذاء المادي والروحي للطفل وكمالها تؤدي إلى عوارض غير قابلة للتدارك. فالطفل يكتمل بناؤه في الأعوام الأولى من حياته، ولا بد من الاعتناء بجميع جوانبه المادية والمعنوية.

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: برنامج ربيع وزهر - الحلقة الثامنة- الدورة البرامجية51.

 

 


تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا