قبل ان تربي كوني مقدرة لمكانة التربية
2022/08/07
277



أن الأشخاص العاديين البسطاء الذين لم يتلقوا تعليما لكنهم أخذوا مهمة تنشئة أطفالهم على محمل الجد كان لهم سجل حافل بالنجاح في تربية أطفالهم

إن كثيرا من الآباء لا يربون أبناءهم ليس لأنهم لا يمتلكون الوقت الكافي أو لأنهم تنقصهم النية الصادقة ، أو أن حبهم لأبنائهم ليس كبيرا ، لا، نحن نؤمن بأن كل الآباء الطبيعيين يحبون أبناءهم ويملكون تجاههم نوايا حسنة طيبة ،لكنهم وهذه هي الحقيقة لا يريدون أن يتعبوا أنفسهم ،فالتربية كما لا يخفى مستمعتي تحتاج إلى التعب والتفاني والإخلاص ، وهذا ما لا يقدر عليه سوى القلة القليلة وهل يوجد شيء في الكون يستحق أن تتعبي من أجله كتربيتك لأبنائك؟ هل هناك إنجاز يساوي نجاحك في تربية رجل صالح أو امرأة فاضلة يلاحقونك بالتكريم في الحياة والرحمات بعد الممات؟

إن التربية جزء من الكدح المكتوب على البشرية أن تكدحه على الأرض ولكن هذا الجهد يكون محببا إلى النفس ولا شك حين يرى الإنسان ثماره الجنية ويراها قريبة المنال.

ينبغي لكي يكون الأب مؤثرا أن يكون مقدرا أن التربية جهاد، والجهاد تعب ونصب ، خاصة في زمن كالذي نحيا فيه ينبغي على المربي أن يؤمن أن ابنه الذي تعب في تعليمه سيذهب للشارع ويعود بادر أن تحتاج لتنظيف وسيذهب للمدرسة ويعود ملوثا بألفاظ وعادات غير مقبولة، وحتى إذا أغلقت عليك بابك فسيطولك شرر الجاهلية من كلمة نابية يتفوه بها طفل، ورغم كل هذا ينبغي ان تحتسب وتعلم أن دورك ومهمتك أن تعيد الطفل إلى أصله وتنظف ما لحق به، وهذا ليس بالشيء الهين أو اليسير، لكن لا سبيل سوى ذلك

 المربيات الفضليات الفرد يحتاج دائما إلى المتابعة والملاحظة فالتربية عملية مستمرة لا يكفي فيها توجيه عابر مهما كان مخلصا ومهما كان صوابا في ذاته، إنما يحتاج الأمر إلى المتابعة والتوجيه المستمر، والملتقي  نفس بشرية وليس آلة تضغط على أزرارها مرة، ثم تتركها وتنصرف إلى غيرها، فتظل على ما تركتها إليه.

وليست الحالة المستجدة فقط هي التي تحتاج إلى توجيه، إنما يحتاج إلى توجيه جديد، أما الحالة التي حدثت من قبل مرة ومرات، وأعطيت التوجيهات فيها مرة ومرات، فهي ليست حالة منتهية وليست في حاجة الى توجيه.

إن العجينة البشرية عجينة عصية تحتاج إلى متابعة دائما وليس يكفي أن تضعها في قالبها المضبوط مرة فتنضبط إلى الأبد، وليس معنى التوجيه المستمر هنا  هو المحاسبة على كل هفوة، فذلك ينفر ولا يربي، المربي الحكيم يتغاضى أحيانا أو كثيرا ما يتغاضى عن الغفوة وهو كاره لها لأنه يدرك أن استمرار التنبيه إليها قد يحدث رد فعل مضادا في نفس المتلقي، ولكن إهمال التنبيه ضار كالإلحاح فيه.

وحكمة المربي وخبرته هي التي تدله على الوقت الذي يحسن فيه التغاضي والوقت الذي يحسن فيه التوجيه، لا بد أن يتعهد المربي نفسه بالتربية الذاتية ، ينبغي أن يدرك المربي أنه لم يصل إلى قمة الهرم التربوي وان حاجته هو نفسه للتربية لا تقل عن حاجة طفله

نعم نحن بحاجة ماسة إلى أن نشعر أننا لم ننضج بعد وهذا الشعور هو المدخل الوحيد إلى جعلنا نستفيد من العبر ونستخلص الدروس من نتائج ومعطيات أنشطتنا المختلفة

سأربي طفلي على تحمل المسؤولية:

سأعتمد عليه أنا أولا حتى أعلمه الاعتماد على نفسه، فإذا كنت أنا أصلاً لا أعتمد عليه في شيء، فكيف إذن سيتسنى له تعلم الاعتماد على نفسه؛ إذا كنت أنا غير واثقة في قدراته وإمكاناته، وبالتالي لا اعتمد عليه في إنجاز بعض الأمور، فكيف سيثق هو في نفسه، ويركن لقدراته؟

سأرفع يدي عنه وعن مساعدته، وسأفسح له المجال ليقضي مصلحته بنفسه، واتركه لينجز بعض أعماله بنفسه، فيقدم أوراقه للمدرسة بنفسه، وأكون أنا معه بمثابة الصاحب، ويعمل واجباته المدرسية بنفسه، وأكون أنا بمثابة الموجه، ويأكل بنفسه، ويشرب بنفسه، ويلبس ملابسه بنفسه، ويكوي ملابسه، ويرتب حاجاته، وأكون أنا بمثابة المشرف، سأساعده، وافسح له المجال حتى يستطيع أن يكون معتمدًا على نفسه.

وأنت على ماذا ستربين طفلك؟

إشارة خضراء: احملي أنت المسؤولية، أنت الكبيرة، فكوني كبيرة فعلا، أنت الناضجة، فكوني ناضجة فعلا، أنت يفترض الحكيمة، فكوني حكيمة فعلا، تحملي بنضج وحكمة مسؤولية الأخطاء التي تحدث بغض النظر عمن صدرت منه تلك الأخطاء.

إشارة حمراء: إياك واللوم، إياك أن تتخلى عن المسؤولية، إياك أن تعتقدي أن المشكلة هناك لأن أكبر مشكلة تكمن في اعتقاد أن المشكلة هناك.

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج قبل أن تربي-الحلقة الرابعة- الدورة البرامجية 69.


تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا