الآباء بين إعطاء الخيارات وفرض المسارات
2021/10/11
346

لا شك أن الآباء يهتمون بصلاح أبنائهم، وصناعة مستقبل صالح وسعيد لهم، انطلاقًا من دوافع فطرية؛ لأنّ الآباء مفطورون غريزياً على حبّ الأبناء، فهم مهتمون غاية الاهتمام بتنشئتهم تنشئة صالحة.

وإنّ الدين يحمّل الآباء المسؤولية التامة عن حسن التربية للأولاد، فكلّ أبٍ مسؤول أمام الله سبحانه عن حسن تربية ابنه والعمل على إصلاحه.
ويكشف الدين عن الآثار العظيمة التي يتركها صلاح الولد على الوالد، فقد ورد عن رسول الله   أنه قال: " الولد الصالح ريحانة من رياحين الجنة، وورد عن الإمام الصادق   أنه قال: "من سعادة الرجل الولد الصالح".

وبالمقارنة مع المجتمعات الغربية، تبدو العلاقة بين الآباء والأبناء في مجتمعاتنا في غاية الإيجابية، إلّا أنّها قد لا تخلو من المبالغة أحيانًا، حيث تتسم العلاقة بين الآباء والأبناء في المجتمعات المتحررة بالمبالغة لجهة الانفصال النفسي والقانوني فور بلوغ الأبناء سنّ الثامنة عشرة، بحيث لا تعود العائلة معنية بتصرفات الأبناء نهائيًّا، ولا المجتمع يتوقع منها ذلك أصلًا، في المقابل يمثل الارتباط الأبوي القائم بين العائلة والأبناء حالة إيجابية في مجتمعاتنا المحافظة، إلّا أنّ ذلك قد يوقع كثيرين في المبالغة أحيانًا، على نحو يحمّل الآباء أنفسهم أعباء ومسؤوليات لم يحمّلهم الله تعالى إيّاها.

بالعودة إلى النصوص الشرعية، والتعاليم الدينية، هل يكلّف الأب المسؤولية عن الأبناء بعد بلوغهم سنّ التكليف والرشد؟

-هل هناك أصلًا إمكانية لدى الآباء لقسر أبنائهم الراشدين على فعل شيء لا يريدونه؟

اذن أيتها الاخوات على الآباء أن يعرفوا حدود سلطتهم على أبنائهم. حتى على صعيد المسائل الأساسية الكبرى، في العقيدة والدين، فضلًا عن الإلزام بالأعراف والتقاليد، فهذه أولى بأن لا يجري فرضها على الأبناء بأيّ حال من الأحوال؛ لأنّ هناك صنفًا من الآباء يضغطون على أبنائهم للخضوع إلى أعراف اجتماعية وتقاليد اعتاد الناس عليها، أو ربما يسعون لإكراههم على الاستجابة لرغبات شخصية عند الآباء، من قبيل إجبارهم على الزواج من هذه العائلة المعينة، أو اختيار تلك المرأة المحددة، أو حتى إجبارهم على العيش وفق طريقة معينة تناسب الآباء أكثر مما تناسب الأولاد أنفسهم وتلك بأجمعها اخواتي ممارسات لا مشروعية لها، ولا يحقّ للأب فرضها على أيّ نحو من الأنحاء.

 وقد رد عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام)أنه قال: "لا تقسروا أولادكم على آدابكم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم".

 ولابد أن يعلم الآباء صلاحية معاملتهم تجاه الأبناء تقتصر على الإرشاد والتوجيه، وحسب، فإن لم يأخذ الإرشاد مفاعيله في حياة الأبناء، فليس ذلك موجبًا للآباء أن يفرضوا على أبنائهم ما لا يرغبون، ولو كان الأمر كذلك لفعله نبي الله نوح "ع" مع ابنه، وفلذة كبده الموشك على الهلاك الحتمي، بأن يكبّل يديه ورجليه مثلًا، ويأخذه إلى سفينة النجاة رغمًا عنه، لكنه لم يفعل. وذلك لعلمه(ع) أنّ الأب ليس مكلّفًا إكراه أبنائه وإجبارهم على النزول على ما يريد هو، وإن كان محقًّا، فضلًا عن أنّ الطريق نحو الهداية والرشاد لا يتسنّى بالقسر والإكراه، خاصة حين يتعدّى الأبناء مرحلة الطفولة ويبلغون سنّ الرشد.

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج عبق الزنبق-الحلقة السادسة- الدورة البرامجية57.

 

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا