هل الأمومة مجرد فطرة؟
2020/10/30
522

إنَّ الأمومة فطرة يرشِّدها العلم، ويرسِّخها العمل، والواقع يشهد بأنَّه ليس كل امرأة تصلح أن تكون أماً، كما أنَّه ليس كل رجل يصلح أن يكون أباً مع أنَّ الأمومة والأبوة مرتبطة بجنسيهما ارتباطاً فطرياً لا جدال فيه، فهل كل الأمهات متساويات في حسن رعايتهنَّ لأبنائهنَّ؟ وهل كل الأولاد يحبون أمهاتهم بدرجة الحب نفسها؟

إذا كانت الأمومة مجرد فطرة تشترك فيها كل النساء على القدر نفسه، فما سبب هذه الفروق التي ذكرناها، والتي يشهد بها الواقع؟

إنَّ السبب يكمن في العلم والعمل، ونقصد بالعلم معرفة المرأة بواجبات ووظائف الأمومة، ونقصد بالعمل تطبيق المرأة لهذه الواجبات والوظائف؛ لأنَّ الذي يتقدم إلى وظيفة معينة لا بد أن يكون مؤهلاً لها علمياً، قادراً على تطبيقها عملياً، ولا يشفع له مؤهله العلمي بدون قدرته على التنفيذ، كما أنَّه لا تشفع له رغبته في التنفيذ بدون تأهيله العلمي، وهذا ما نريده للمرأة المسلمة، فالمرأة المسلمة حتى تحقق أمومتها على الوجه الأكمل عليها أن تعي عدة أمور:- 
أولاً: إنَّ مسؤولية الأمومة تبدأ باختبارها وقبولها لوالد أبنائها، فالمرأة التي تسيء في اختيار وقبول زوجها تسيء إلى نفسها وإلى أولادها، فالتي ترتضي زوجاً سيء الخلق تسبب أزمة نفسية لأولادها؛ لأنَّهم سوف يعيشون ويواجهون المجتمع بأبٍ غيرصالح.

ثانياً: على المرأة أن تعي أنَّ مسؤوليتها في حضانة طفلها تبدأ ساعة حملها له جنيناً في رحمها، وليس ساعة ولادته طفلاً، قال تعالى في كتابه الكريم: 
﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا﴾.

إنَّ هذه الحقيقة تعد معلومة أساسية لا بدَّ أن تتوقف عندها كل امرأة؛ لأنَّها إذا فعلت فتستحق موقعها في هذه المرحلة بشكل طيب بتوفيرها لجنينها كل سبل الأمان والسكينة والصحة والعافية، فلا تدخين ولا صياح ولا حركة زائدة ولا غير ذلك من الأمورالتي أثبت العلم التجريبي أنَّها تؤثر سلباً على الجنين تأثيراً عميقاً وممتداً.

ثالثاً: على المرأة أن تعي أنَّ إرضاعها لطفلها رضاعة طبيعية لن توفر له كل العناصر الغذائية اللازمة لنموه نمواً صحياً رائعاً فقط، بل إنَّها تكسبه السكينة والأمان والطمأنينة وتنشأ بينه وبينها وشائج الارتباط والحب، والألفة والسعادة وهذا ما أثبته العلم وحثَّ عليه، كما حثَّ عليه القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾.

إذن، إنَّ المرأة التي لا تلتفت إلى قول ربِّها في إرضاع ولدها -ما لم يكن هناك عذر شرعي- فقد تخسر طفلاً هادئاً نفسياً غير مضطرب، تخسر طفلاً ترى في عينه قمة الشوق إليها في كل وقت، ونعتقد أنَّه لا يوازي هاتين الخسارتين وغيرهما أي مكسب زائف.

رابعاً: على الأم أن تعي أنَّ وظيفتها الأساسية بعد عبور هذه المراحل التي ذكرناها هي الاحتضان والتربية، والاحتضان معناه الاحتواء النفسي، والحنو على الطفل عند بكائه، ومعناه الأذن التي تستمع للمشكلات والحوادث، والعين التي تشع حباً وشفقة بتلقائية على الدوام، ومعناه اليد التي تربت وتنهض به من العثرة، واللسان الذي يشدّ من الأزر ويعمق الثقة في الذات، والوجود النفسي وعدم الغياب أو الافتقاد، ومعناه الدفء والحب والحماية والذود والأيثار وإرادة الخير، ويعني أيضاً الفرح لما يسرّ والحزن لما يسوء والتواصل والمشاركة، هذا هو الاحتضان.

إنَّ هذه المشاعر -وإن كانت فطرية- إلّا أنَّها تحتاج للتركيز في بذلها حتى لا يفلت منها شيء، وعلى قدر احاطة كل امرأة بها على قدر ما يكون تحقيقها للأمومة المتعلقة بها.

هناك بعض الأمهات لا يستمعن لأبنائهن، وعلاقتهن بهم علاقة توجيهية فقط: «افعل هذا ولا تفعل ذلك، هذا صواب وذاك خطأ وهكذا».
وهناك أمهات غائبات حسِّياً ونفسياً عن أولادهن، ووكلن غيرهن للقيام بدورهن في الاحتضان، ذلك الدور الذي يستحيل أن تحسنه غيرها، وهناك أمهات لسانهن معول هدم وإفقاد ثقة في الذات.

إنَّ حديث الرسول الأكرم(ص وآله): «كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّته... والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم» لا بد أن يفهم معناه الواسع، فليست المسؤولية مقصورة على تهيئة الطعام والشراب، وتنظيف وتنظيم البيت، وحاجات كل طرف في البيت، إنَّما المسؤولية الأولى والأساسية هي الإشباع النفسي بصورته التي ذكرت، والتي تستحق بها الأم ما تستحقه من تكريم الأسلام لها، وحثّه على جميل رعايتها وحسن برّها والشكر لها، قال تعالى: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ المَصِيرُ﴾.

 

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: برنامج عالم الأمومة-الحلقة الثالثة-الدورة البرامجية19.

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا