الخوف
2020/05/19
339

لم يمر بلحظات عصيبة أصابته بالتوتر وربما جعلته ضعيفاً أمام رغباته، ومن منا أيضاً من مر بلحظات خوف وجزع وفزع جعلته يؤجل قراراً مهماً كان يفترض أن يتخذه لعله يكون خيراً له، فعدم اتخاذ القرار في الوقت المناسب يصيبنا بالاكتئاب خاصة إذا كانت نتائج هذا التأخير مؤلمة وصعبة ومكلفة، وهنا يكون التوكل على الله خالقنا هو الملاذ الوحيد والأوحد ولا مجال لسواه.

نعم أخواتي الفضليات كما تعلمن كثيرة هي مشاغل الحياة وشواغلها، ومنها ما نصاب به أحيانا من قلق وتوتر، سواء أكان قلقاً طبيعياً نستطيع السيطرة عليه بتوكلنا على الله - سبحانه وتعالى - حق التوكل، وبين ما نسميه بـ - القلق المرضي - وهنا المشكلة مستمعتي لأنه قلق ناجم عن سخط ربما على ما يناله الإنسان من حظ سيئ أو خوف من وقوع شيء غير معلوم أو محدد، والأسوأ هو النظرة السوداوية للأمور؛ فالقلق الطبيعي لا غبار عليه ايتها الاخوات ولا خوف على صاحبه، وإنما النوع الثاني هو مشكلتنا، حيث ننسى هنا توجيهات آيات القرآن الكريم، وأحاديث المصطفى - عليه أفضل الصلاة والسلام - للوقاية من القلق والخوف على الحياة والرزق، والتي أكد فيها رب العزة والجلال تكفله برزق جميع خلقه (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) مع السعي والعمل فيما يرضي الله والتسبب في ذلك لقوله - تعالى -: (فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه).

وهنا يجب على المرء البعد عن المضار النفسية التي تسبب له القلق المزعج المرضي مثل الوساوس والأوهام وعدم الراحة والقناعة بما كتبه الله له أو عليه، وربما كانت الحلول في أبسط صورها تتمثل في القناعة، حيث ان النظر إلى ما لدى الغير من خير مثل المال أو الجاه أو المنصب من الأمراض النفسية المهلكة للإنسان، ومن ملزمات القناعة أيضاً تدريب النفس على حب الخير للغير وعدم الحسد والحقد والأنانية.

فكل ذلك من المحفزات على أن يكون الإنسان مجتهداً ومثابراً ودؤوباً على أداء أي عمل يرضي الله (عز وجل) ومن موجبات القناعة أيضاً الفرح بما كتبه الله له من رزق مع عدم الركون إلى الكسل والاعتماد على الغير. ويقول علماء الاجتماع وعلم النفس، إن على كل شخص النظر دائما إلى من هم أقل منه وضعاً في مجتمعه القريب أو البعيد من كافة النواحي المادية أو الاجتماعية أو الأسرية، وتعويد النفس على التواضع والبذل كي يحس بقيمته وأهميته لنفسه وحب الناس له.

وإذا كانت القناعة تقضي على ما يصيب النفس من سوء، فالتوكل على الله يقضي على ما يصيبها من خوف وجزع من اتخاذ قرار معين، ولعلنا إذا تأملنا حال الإنسان، فنجد لدى البعض قوى هائلة لا يقف في وجهها أحد سوى «نفسه»، فمتى رغب الإنسان في شيء لم يتعارض مع إرادة الله، فهو حاصل عليه لا محالة بإذن الله.

 ورغم هذه الإرادة التي وهبها المولى جل وعلا لجميع البشر، إلا أنه ليس جميع البشر من يستطيعون الوصول لأهدافهم، وأكبر حاجز يعيق الإنسان عن تحقيق مراده يتمثل في «الخوف»، لأنه يقبع داخل النفس البشرية ويصنع فيها جدارا صلبا يصعب كسره، ولكن البعض يستطيع بقوة الله والتوكل على مشيئته تدمير الخوف قبل أن يدمر حياته ويشلها تماماً.

ولعل الكثير منا يعرف كم من إنسان دمر الخوف حياته وشل تفكيره وهز أركانه، ورغم كل ذلك يظل الكثيرون عاجزين عن تجاوز حاجز الخوف، فالمحاولة لديهم تعني مزيدا من الألم ومزيدا من الخوف معاً للأسف. 

لكن سبحان من شملت رحمته كل شيء ووضع لنا حلاً رائعاً وسهلاً وبسيطاً يقضي على أي خوف قد يعتري النفس البشرية، بل وخص من يستخدم هذا الحل بأجر عظيم. 

فهل هناك أعظم من أن الله سبحانه وتعالى يعطيك علاجاً لخوفك وبالإضافة لذلك يحبك ويجعلك من المقربين منه بل ويثني عليك في مواضيع عديدة في كتابه الكريم. 

نعم فالإنسان حين يقدم على أمر ما، تبدأ المخاوف تحاصره، قد يكون خوفا من الفشل، وخوفا من الألم، وخوفا من المجهول، ولكن لأن خالقنا عز وجل هو أعلم بنا فمنحنا علاجاً سحرياً هو «التوكل»، فالتوكل على الله يعني أنك ككائن بشري حين تريد القيام بعمل فأنت تستعين بالقوة العظمى التي تسير هذا العالم، فيسخر لك سبحانه كل شيء لإنجاز عملك.. فهل لو فهم الإنسان معنى التوكل سوف يخاف بعد ذلك من النجاح وإنجاز كل أموره..؟

إن التوكل على الله يقضي على الخوف، سواء من الفشل أو من المستقبل أو من الألم، فالاستعانة بالله من الإيمان، وقال تعالى (فاذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج وهج الأمل- الحلقة الثامنة-الدورة البرامجية44.

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا