التربية في المرحلة الثالثة للأبناء(14-21) سنة
2020/03/16
412

بعد المرحلة الأولى والثانية يصبح عمر الولد أربع عشرة سنة، وفي هذا العمر تبدأ مرحلة المراهقة، ويتميز هذا العمر بالعديد من الأمور على المستوى النفسي والفكري فمن مميزات هذا العمر:

- يطمح الشباب بقوة إلى الحرية والاستقلال، ويرغب في القيام بأعماله من دون تدخل الآخرين، واتخاذ القرارات بنفسه أيضاً، ولا يشعر بالحاجة إلى آراء الكبار أي الأهل، في قراراته الخطيرة كترك الدراسة، أو تغيير حقله التخصصي، وغيرها من الأمور.

وفي هذا العمر تتفجر المواهب لدى الشباب، وتحتاج إلى التنمية بالشكل الصحيح، فلو كان لدى الشاب موهبة الشعر أو الرياضة مثلاً، فلا بد من ترشيد الموهبة، لكي لا تسلك الطريق الخاطئ، وتتميز المرحلة أيضا بأخطر الأمور وهي فوران الغرائز كغريزة القدرة وغريزة حب السيطرة وغريزة التناسل.

ومن هنا ينبغي أن نلتفت إلى خطورة هذه المرحلة على الشباب إذ أن هذه المرحلة هي المفترق الفاصل بين دروب الحياة، فإما أن يسلك الشاب بها درب الهدى، وإما أن ينحرف إلى دروب الغي والضياع، ومن الأمور التي أرشد إليها الإسلام في هذه المرحلة العمرية هي نقل التجارب إلى الشاب وأفضل نموذج يمكن أن نسلط الضوء عليه في هذا المضمار هو أمير المؤمنين عليه السلام وولده الإمام الحسن، فمن وصيته له: "... فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبُّك لتستقبل بجد رأيك  من الأمر ما قد كفاك أهل التجارب بغيته وتجربته، فتكون قد كفيت مؤونة الطلب، وعوفيت من علاج التجربة"؛ فالتجربة التي ينبغي أن تنقل للشاب لها دور مؤثر في تأمين سعادته لأنها تكشف له حقائق الأمور، وتمزق أستار الأوهام والتصورات الباطلة، فكل تجربة تفتح في قلب الإنسان باباً من العلم وتقربه من الحقيقة خطوة، فعن الإمام علي (عليه السلام): "وفي التجارب علم مستأنف".

وأيضاً من الأمور المهمة التي يجب الالتفات إليها في هذه المرحلة هي التفقه في الدين؛ لأن الولد يبلغ في هذا العمر سن البلوغ فلا بد له من معرفة التكاليف الإلهية التي ألقيت على عاتقه، وقد ورد في الحديث عن الإمام الكاظم(ع): " لو وجدت شاباً من شبان الشيعة لا يتفقه لضربته ضربة بالسيف"، وما التعبير بالضرب بالسيف إلا كناية عن أهمية التفقه في مرحلة الشباب.

كما أن التعلم لأحكام الدين والفهم لأهداف الإسلام يؤمنان للشاب هدفاً صالحاً، فلا يترك فريسة لأوهام النفس ووسوسات الأفكار والتيارات المنحرفة، دون إرشاد، مما قد يتسبب بضياعه، وكذلك من الأمور الهامة في هذه المرحلة هي الإرشاد إلى القدوة الصحيحة.

أختي الأم إن القدوة الصحيحة للشاب هي التي توضح الطريق أمامه في درب المستقبل، والقدوة السيئة هي التي تجرفه إلى وديان الجهالة والانحراف.
وكثيراً ما نجد وسائل الدعاية والإعلام تحاول أن تطرح للشاب قدوات تضيّع الأهداف الحقيقية، بعيداً عن القدوة الحقيقية المتمثلة والمثال الأعلى الذي يتجلى بالرسول الأكرم(ص وآله)، وأهل البيت(ع) و...فعلى الأهل دائماً أن يلتفتوا إلى شبابهم ليوجهوهم دائماً إلى القدوة الصحيحة، بالشكل الملائم الذي يجعل هذه القدوة هي خيار الشاب وتوجهه ظاهراً وباطناً.
وأيضاً إرشاد الشباب إلى الفتوة الحقيقية، إذ إن عنوان الفتوة والقوّة وحب الاقتدار عند الشباب يكون في أعلى مستوياته في هذه المرحلة العمرية، وتشكل الفتوة بالنسبة إليه أمراً بالغ الأهمية.

ودور الأهل في هذا المجال يتجلى في إفهام الشاب أن الفتوة الحقيقيّة ليست في عظمة الساعدين ولا عرض المنكبين والقوة في العراك، بل في العقل الواعي والقلب الملي‏ء بالإيمان، فإن هذا المعنى هو الذي يريدنا أهل البيت أن نعيه، ففي الرواية أنه مرّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوم يتساءلون حجراً، فقال: "ما هذا، وما يدعوكم إليه؟ قالوا: لنعرف أشدنا وأقوانا، قال: أفلا أدلّكم على أشدكم وأقواكم؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه، قال: أشدّكم وأقواكم الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل، وإذا سخط لم يخرجه سخطه من قول الحق، وإذا قدر لم يتعاط ما ليس له بحق".

بهذه الخطوات وغيرها نكون قد وجهنا الشاب إلى الهدف الواقعي والصحيح وهو السلوك المستقيم، بحيث يصبح عنصر خير لمجتمعه، يعيش الصلاح في الدنيا، فيكون من أحب الخلائق إلى الله تعالى، فعن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): " إن أحبّ‏َ الخلائق إلى الله عز وجل شاب حدث السن في صورة حسن جعل شبابه وجماله لله وفي طاعته، ذلك الذي يباهي به الرحمن ملائكته، يقول: هذا عبدي حقاً ".

وفي الختام نقول أن الولد نعمة أنعمها الله تعالى علينا بمجرد وجوده، وأنعم علينا نعمة أخرى بأن أرشدنا إلى طريق هدايته وعرفنا السبيل لتربيته، ولم يترك لنا سوى الاستنارة بهداه والسير على نهج الأنبياء والأئمة الأطهار أعظم المربين للبشرية، لعلنا نوفّق في صناعة إنسان بكل ما للكلمة من معنى، عبد مطيع عارف لربه، مدرك لهدفه، يسير في الأرض ويعمل فيها الصلاح، معمّراً لآخرته.

ولو استطاع الإنسان أن يربي أبناءه بالطريقة التي أرشدنا إليها الإسلام، لكثر الخير في البلاد ولقل الفساد، نسأل الله تعالى أن يوفقنا لأداء حقوق الأطفال، ويجعلنا أهلاً لامتثال قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَ غِلا شِدَا لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ).
ونسأله كما سأله من قبلنا ممّن كان يؤمن به وبآياته: (... رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً).











ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج حنايا القلب -الحلقة العاشرة - الدورة البرامجية الرابعة والثلاثون.






































تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا