هيبة الآباء وطاعة الأبناء
2019/12/20
1265

الأسرة هي البوتقة التي تصهر الطفل، فتنقي سلوكه و رغباته من كل شائبة، من شأنها أن تعوق صحته النفسية فيما بعد، والأم والأب مفوضان مطلق الصلاحية من قبل المجتمع، لتربية أعضائه، وهما مسؤولان أمام المجتمع عن ذلك، وعلى هذا ترتكز الهيبة التربوية للأسرة في عيون الأطفال.

إن العلاقة بين الآباء والأبناء هي علاقة أزلية، لكن مفهوم العلاقة في الماضي اختلف نوعاً ما عن العلاقة في الزمن الحاضر، الآباء في الماضي كانوا يعتبرون مخالفة أبنائهم في الرأي لهم عيباً يخالف الاحترام الواجب لهم وأن إختلاف وجهات النظر يعد عقوقاً من الابن لأبيه، لكن الوضع اختلف الآن كثيراً فالأب يقبل أن يختلف ابنه في الرأي معه ويعترض على بعض أفكاره، ولا يرى في ذلك نقصاً في أدب ابنه، وكذلك الابن لا يشعر بأن مخالفته لبعض آراء أبيه فيها مخالفة لشرع الله وأوامره أو عقوقاً يحاسبه الله عليه.. ما أريد توضيحه أن الحزم والطاعة العمياء أصبح مفهومهما يختلف في عصرنا الحالي، فقد أصبحت العلاقة بين الأب والأبناء علاقة احترام وتفاهم دون استبداد من الأب، وخضوع الأبناء دون أن يكون لهم رأي. يميل أولئك الآباء والأمهات الذين لا يطيعهم أبنائهم، إلى التفكير بأن الهيبة الأسرية هي من الطبيعة، فإذا لم تكن هذه النعمة موجودة فلا يمكن إحداثها، ويبقى هؤلاء الآباء والأمهات يبحثون عن النصيحة والموعظة لدى أولئك الذين منّ الله عليهم بتلك النعمة.

في الحقيقة يخطئ أولئك الآباء والأمهات، فالهيبة التربوية للأسرة يمكن تكوينها وتنظيمها بشكل فعال ومن دون تعقيد في كل أسرة، ولكن الذي يحصل في كثير من الأحيان وبشديد الأسف أن محاولات تنظيم الهيبة التربوية للأسرة تقوم على أسس كاذبة أو واهية أو خادعة، فعلى سبيل المثال يسعى الأهل كي يصبح أبنائهم مطيعين لهم، ولا يضعون غير هذا الهدف لنشاطهم التربوي مع أولادهم وهذا هو الخطأ بعينه، فالهيبة الأسرية على شكل طاعة عمياء لا ينبغي أن تكون الهدف، بل ينبغي أن يكون الهدف هو التربية السليمة من كل الجوانب، وهذا ما ينبغي أن يتوجه إليه سعي جميع الآباء والأمهات.

هناك نقطة لابد أن نعرفها عند الطفل وحتى عند الإنسان الراشد، ذكراً كان أم أنثى، ألا وهي أن في شخصيته حاجة إلى من يعطيه القوة، فإذا كان القيم عليه ضعيفاً أمامه فإنه يفقد الشعور بالأمان، وهذا ما يفسر أيضاً في بعض المرات عدم رغبة المرأة بالرجل الضعيف، ولعل هذا ما يفسر ارتباط الطفل بأبيه أكثر من أمه، باعتبار أن الأب يشعره بالأمان أكثر. ولذا أن الحزم في هذا المكان يعني أن يطلق المعلم أو المربي كلمته ولا يتنازل عنها، ففي ذلك إيحاء تربوي بأن عليه عدم التنازل عن إرادته، ولكن لابد لإيصال ذلك من اسلوب يبتعد بالحزم عن القهر بحيث يستوعب الطفل معنى الحزم بدلاً من أن يخضع له خضوعاً أعمى.

لا تزال تربية الطفل بحاجة إلى شيء من هيبة الأب التي تعين الطفل على التوازن الداخلي، ولكن هناك فرقاً بين هيبة تنطلق من قوة الشخصية، وبين هيبة تنطلق من عنف وقسوة وقهر واشعار للطرف الآخر بالدونية؛ لأن الهدف من الحزم، تربية شخصية الطفل وبذر عناصر الرجولة المستقبلية فيه، بالطريقة التي تجعله قادراً على أن يفكر وحده ومع الآخرين، فإذا كانت مفردة الهيبة في التربية ضرورية فهذا لا يعني أن يستغلها الأهل لتطويع الطفل لما يريدون بشكل كامل، ونحن عندما نربي أطفالنا على أن يقولوا نعم لكل ما نفرضه عليهم، فسوف تتعمق هذه النعم لتتحول إلى نعم أمام كل ظالم وحاكم ومستبد يملك قوة القهر التي كانت لدى الأب بشكل مطلق، سوف نخلق فيه ذهنية الخضوع لكل مستبد ولكل طاغ ولكل قوي، لهذا نفرق بين الطاعة المنفتحة وبين الطاعة العمياء. إن الطاعة المنفتحة تحمل الإنسان على الخضوع للقانون الذي يمثل الأب أداة تنفيذ في البيت، قد يكون هذا القانون قانون الله وقد يكون قانوناً آخر، فنحن نربي الطفل على أن يحترم القانون وفي الوقت ذاته يشعر بإمكانية أن يتسائل عنه. أما الطاعة العمياء فتجعل الطفل إنساناً خاضعاً للقوة ومن يحملها وليس القانون.

 

 

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج همسة أبوية -الحلقة الثامنة - الدورة البرامجية 32

 
تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا