أسباب السعادة.. كيف تحصلين على السعادة؟
2019/12/16
600

أختي الكريمة: إن من يريد أن ينال السعادة وهو لم يأخذ بأسبابها يصدق عليه قول الشاعر: ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها.... إن السفينة لا تجري على اليبسِ فلنقف على أسباب السعادة وصفات السعداء لعل الله تعالى يوفقنا للأخذ بها إنه جواد كريم: والسبب الأول أختي الفاضلة هو: الايمان بالله تعالى والعمل الصالح: يقول الله تعالى في كتابه الكريم: (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة) وكلنا يريد الحياة الطيبة فعلينا بالعمل الصالح من الايمان قال تعالى: ( من امن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) وتحصل السعادة بالايمان من عدة جوانب:

أ ـ ان الانسان الذي يؤمن بالله تعالى وحده لا شريك له ايمانا كاملا صافيا من جميع الشوائب يكون مطمئن القلب هادئ النفس ولا يكون قلقا متبرما من الحياة بل يكون راضيا بما قدر الله له شاكرا للخير صابرا على البلاء . إن خضوع المؤمن لله تعالى يقوده الى الراحة النفسية التي هي المقوم الاول للانسان العامل النشيط الذي يشعر بأن للحياة معنى وغاية يسعى لتحقيقها قال الله تعالى: ( الذين امنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الامن وهم مهتدون ).

ب ـ وكذلك الايمان يجعل الانسان صاحب مبدأ يسعى لتحقيقه فتكون حياته تحمل معنى ساميا نبيلا يدفعه الى العمل والجهاد في سبيله وبذلك يبتعد عن حياة الانانية الضيقة وتكون حياته لصالح مجتمعه وامته التي يعيش فيها فالانسان عندما يعيش لنفسه تصبح ايامه معدودة وغاياته محدودة أما عندما يعيش للفكرة التي يحملها فإن الحياة تبدو طويلة جميلة تبدأ من حيث بدأت الانسانية وتمتد بعد مفارقتها لوجه الارض وبذلك يتضاعف شعوره بأيامه وساعاته ولحظاته . ج ـ كذلك الايمان ليس فقط سببا لجلب السعادة بل هو كذلك سبب لدفع موانعها، ذلك ان المؤمن يعلم انه مبتلى في حياته وان هذه الابتلاءات قد تكون سلمه للوصول الى الله تعالى فيتسلح بالقوى النفسية المتمثلة بالصبر والعزم والثقة بالله والتوكل عليه وحسن الظن به وهذه المعاني تعد من اقوى الوسائل لتحقيق الغايات الحياتية النبيلة وتحمل الابتلاءات المعاشية المختلفة.

وقد بات الإيمان بالله تعالى أحد مقومات العلاج النفسي في العصر الحديث حيث يضفي هذا الإيمان سكينة على قلوب الناس فيجعلهم يثبتون إمام الصعاب ويتحملون العذاب والالم من جراء منغصات الحياة ويرى الإمام علي عليه السلام ان الايمان والعمل الصالح يوصل الانسان الى سعادة الدارين فمما قاله عليه السلام حول ذلك: ( بالإيمان يرتقى إلى ذروة السعادة ونهاية الحبور) وقال الإمام علي (ع) أيضاً: (لا يسعد احد الا باقامة حدود الله ولا يشقى أحد الا بإضاعتها).

أما السبب الثاني من أسباب السعادة فهو التفكير في النعم وشكر المنعم: فلكي يشعر الانسان بالسعادة فإن عليه ان يذكر نعم الله تعالى عليه فإذا هي تغمره من فوقه ومن تحت قدميه " وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها " صحة في بدن أمن في وطن غذاء وكساء وهواء وماء لديه الدنيا وهو لا يشعر يملك الحياة وهو لا يعلم ( وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ) فليسأل كل منا نفسه: هل هي مسألة سهلة أن أمشي على قدمي وقد بترت أقدام ؟! أحقير أن أنام ملئ عيني وقد أطار الألم نوم الكثير؟!! وأن أملأ معدتي من الطعام الشهي وأن أرتوي من الماء البارد وهناك من عكر عليه الطعام ونغص عليه الشراب بأمراض وأسقام, أتفكر في سمعي وقد عوفيت من الصمم, وأتأمل في نظري وقد سلمت من العمى وأنظر الى جلدي وقد نجوت من البرص والجذام وألمح عقلي وقد أنعم الله علي بحضوره ولم أفجع بالجنون والذهول. أأريد في بصري وحده عوضاً كجبل أحد ذهباً؟ أأحب بيع سمعي وزن جبل من فضة؟ هل أبيع قصور الدنيا بلساني فأكون أبكما؟ هل اقايض يدي مقابل عقود اللؤلؤ والياقوت لأكون إنا في نعم عميمة وأفضال جسيمة ولكني للأسف لا أدري . للأسف فقد اعيش مهمومة مغمومة حزينة كئيبة وعندي الخبز والدفء والماء والبارد والنوم الهانئ والعافية اتفكر في المفقود ولا اشكر الموجود انزعج من خسارة مالية وعندي مفتاح السعادة وقناطير مقنطرة من الخير والمواهب والنعم والأشياء إذن عليَّ أن افكر في نفسي واهلي وبيتي وعملي وعافيتي , والدنيا من حولي لكي اشعر بالسعادة واشكر الله تعالى من كل قلبي . أما السبب الثالث من أسباب السعادة فهو ترك المستقبل حتى يأتي: وهنا نقول أن من يريد السعادة حقا عليه أن لا يستبق الأحداث ولا يقطف الثمرة قبل النضج وإن غدا لم يأت بعد فلماذا نشغل أنفسنا به ونتوجس من مصائبه ونهتم لحوادثه ونتوقع كوارثه ولا ندري هل يحال بيننا وبينه أو نلقاه فإذا هو سرور وحبور المهم انه في عالم الغيب لم يصل إلى الأرض بعد، إن علينا ان لا نعبر جسراً حتى نأتيه ومن يدري؟ لعلنا نتفق قبل وصول الجسر أو لعل الجسر ينهار قبل وصولنا وربما وصلنا الجسر ومررنا عليه بسلام.

أختي الكريمة: إن إعطاء الذهن مساحة أوسع للتفكير في المستقبل وفتح كتاب الغيب ثم الاكتواء بالمزعجات المتوقعة ممقوت ومذموم لأنه طول أمل إن كثيرا من أهل هذا العالم يتوقع في مستقبله الجوع والعري والمرض والفقر والمصائب وهذا كله من مفردات مدارس الشيطان يقول تعالى: (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً والله واسع عليم) كثير هم الذين يبكون لأنهم سوف يجوعون غدا وسوف يمرضون بعد وسوف ينتهي العالم بعد مائة عام!! إن الذي عمره في يد غيره لا ينبغي له أن يراهن على العدم والذي لا يدري متى يموت لا يجوز له الاشتغال بشيء لا نفع منه ولا فائدة، لذا إن كنا فعلا نبحث عن السعادة فليس أمامنا إلا أن نترك الغد حتى يأتي فلا نسأل عن أخباره ولا ننتظر زحفه وان نحذر من طول الأمل.

أما السبب الرابع من أسباب السعادة: أن نعيش يومنا فقط وهنا نقول إن من أراد السعادة حقاً عليه أن يتصور أنه سيعيش اليوم فحسب فلا أمس الذي ذهب بخيره وشره ولا الغد الذي لم يأت إلى الآن. أختي الكريمة: اليوم الذي أظلتك به شمسه وأدركك نهاره هو يومك فحسب غمرك يوم واحد فاجعلي في خلدك العيش لهذا اليوم وكأنك ولدت فيه وستموتين فيه حينها لا تتعثر حياتك بين هاجس الماضي وهمه وغمه وبين توقع المستقبل وشبحه المخيف وزحفه المرعب لليوم فقط اصرفي تركيزك واهتمامك وابداعك وكدك وجدك فلهذا اليوم الذي انت فيه قسمي ساعاته واجعلي من دقائقه سنوات ومن ثوانيه شهور وازرعي فيه الخير وأسدي فيه الجميل واستغفري فيه من الذنب وتذكري فيه الرب وتهيئي للرحيل وعيشي هذا اليوم فرحاً وسروراً وأمناً وسكينة، راضية فيه برزقك بزوجك بأطفالك ببيتك وستعيشين هذا اليوم بلا حزن ولا انزعاج ولا سخط ولا حقد ولا حسد.

أنك لو صدقت مع نفسك بإرادة فولاذية صارمة لأخضعتها لنظرية: لن أعيش الا هذا اليوم حينها ستستثمرين كل لحظة في هذا اليوم في بناء كيانك وتنمية مواهبك وتزكية عملك فتقولين حينها: لليوم فقط سأهذب الفاظي فلا انطق هجرا او فحشا او سبا او غيبة . ولليوم فقط سوف أرتب بيتي فلا ارتباك ولا بعثرة وإنما نظام وترتيب لليوم فقط سوف أعيش وسأعتني بنظافة جسمي وتحسين مظهري والاهتمام بهندامي والاتزان في مشيتي وكلامي وحركاتي. لليوم فقط سأعيش وسأجتهد في طاعة ربي وتأدية صلاتي على أكمل وجه والتزود بالنوافل وتعاهد مصحفي بالتلاوة والتدبر لليوم فقط سأعيش وسأغرس في قلبي الفضيلة واجتث منه شجرة الشر بغصونها الشائكة من كبر وعجب ورياء وحسد وحقد وغل وسوء ظن.

أختي الفاضلة من أسباب السعادة أن لا ننتظر شكراً من أحد: أختي الكريمة: لقد خلق الله تعالى العباد ليذكروه ورزق الله تعالى الخليقة ليشكروه فعبد الكثير غيره وشكر الغالب سواه لأن طبيعة الجحود والنكران والجفاء وكفران النعم غالبة على النفوس فلا تستغربي اذا وجدت هؤلاء قد كفوا جميلك واحرقوا إحسانك ونسوا معروفك بل ربما ناصبوك العداء ورموك بمنجنيق الحقد الدفين لا لشيء إلا لأنك أحسنت إليهم. أختي الكريمة: طالعي سجل العالم المشهود فإذا في فصوله قصة أب ربى ابنه وغذاه وكساه وأطعمه وسقاه وأدبه وعلمه سهر لينام وجاع ليشبع وتعب ليرتاح فلما كبر هذا الابن وقوي ساعده أصبح لوالده كالكلب العقور استخفافاً وازدراءاً ومقتاً وعقوقاً وصراخاً وعذاباً وبيلاً. إلا فليهدأ الذين احترقت أوراق جميلهم عند منكوسي الفطرة ومحطمي الإرادات وليهنئوا بعوض المثوبة عند من لا تنفذ خزائنه ان هذا الخطاب الحار لا يدعوك لترك الجميل وعدم الاحسان للغير وانما يوطنك على انتظار الجحود والتنكر لهذا الجميل والاحسان فلا تبتئسي بما كانوا يصنعون واعملي الخير لوجه الله تعالى أنك الفائزة على كل حال واحمدي الله لنك المحسنة وليكن شعارك دائما (انما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءا ولا شكوراً).

ومن أسباب السعادة أن نحسن الى الناس: الجميل كاسمه والمعروف كرسمه والخير كطعمه واول المستفيدين من اسعاد الناس هم المتفضلون بهذا الاسعاد يجنون ثمراته عاجلا في نفوسهم واخلاقهم وضمائرهم فيجدون الانشراح والانبساط والهدوء والسكينة فإذا طاف بك طائف من هم أو ألمّ بك غم فامنحي غيرك معروفا واسدي له جميلا تجدي الفرج والراحة اعطي محروماً انصري مظلوماً انقذي مكروباً اطعمي جائعاً عودي مريضة أعيني منكوباً تجدين السعادة تغمرك من بين يديك ومن خلفك ... إن فعل الخير كالمسك ينفع حامله وبائعه ومشتريه وعوائد الخير النفسية عقاقير مباركة تصرف ف صيدلية الذين عمرت قلوبهم بالبر والإحسان. واعلمي أن من تهددهم كوابيس الشقاء والفزع والخوف عليهم أن يقصدوا بستان المعروف ويتشاغلوا بالخير عطاء وضيافة ومواساة واعانة وخدمة وسيجدون السعادة طعماً ولوناً وذوقاً. أختي الفاضلة ومن أسباب السعادة أن نطرد الفراغ بالعمل أختي الكريمة: الفارغون في الحياة هم أهل الأراجيف والشائعات لأن اذهانهم موزعة كما أن اخطر حالات الذهن يوم يفرغ صاحبه من العمل فيبقى كالسيارة المسرعة في انحدار بلا سائق تجنح ذات اليمين وذات الشمال. وكل يوم تجدين في حياتك فراغا فتهيأين حينها للهم والغم والفزع، لأن هذا الفراغ سيسحب لك كل ملفات الماضي والحاضر والمستقبل من ادراج الحياة ويجعلك في امر مريج لذا لابد أن تقومي باعمال مثمرة بدلا من هذا الاسترخاء القاتل لأنه وأد خفي وانتحار بكبسول مسكن، لذا اذبحي الفراغ بسكين العمل ويضمن لك أطباء العالم خمسين بالمائة من السعادة مقابل هذا الاجراء الطارئ فحسب، إذن قومي الآن واعملي شيئاً نافعاً اقرأي أو سبحي أو طالعي أو اكتبي أو رتبي بيتك أو انفعي غيرك حتى تقضي على الفراغ وتشعري بالسعادة. ومن أسباب السعادة أن لا تكوني إمعة: أختي الكريمة.. لا تتقمصي شخصية غيرك ولا تذوبي في الآخرين فهذا هو العذاب الدائم, فكثير هم الذين ينسون أنفسهم وأصواتهم وحركاتهم وكلامهم ومواهبهم وظروفهم لينصهروا في شخصيات الآخرين فإذا التكلف والاحتراق والاعدام للكيان وللذات، أنت مختلفة تماما عن فلانة وفلانة فلا تحشري نفسك في سرداب التقليد والمحاكاة والذوبان انطلقي على هيئتك وسجيتك وكوني أنت وليس شخصاً آخر. فالمسلم دائماً صاحب موقف هذا الموقف يحكمه ميزان الشرع ولا تتنازعه الاهواء ولا التوازنات الشخصية والاجتماعية مما يضفي عليه قدرا كبيرا من الاستقلالية وكذلك المصداقية ، لذا عيشي كما خلقت لا تغيري صوتك ولا تبدلي نبرتك ولا تبدلي مشيتك ولكن هذبي نفسك من خلال كتاب الله تعالى وتعاليم الانبياء والمرسلين ع وهدي الائمة المعصومين ع والاقتداء بسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء ع . ومن اسباب السعادة أن تكوني راضية بما اصابك: قال تعالى: (ما اصاب من مصيبة في الارض ولا في انفسكم الا في كتاب من قبل أن نبرأها أن ذلك على الله يسير) جف القلم ورفعت الصحف وقضي الامر وكتبت المقادير ولن يصيبنا الا ما كتب الله تعالى لنا 

إن هذه العقيدة إذا رسخت في نفسك وقرت في ضميرك صارت البلية عطية والمحنة منحة وكل الوقائع جوائز واوسمة فلا يصيبك قلق من مرض أو موت ابن أو خسارة مالية أو احتراق بيت فإن الباري قد قدر والقضاء قد حل والاختيار هكذا والخيرة لله والأجر حصل والذنب كفر. فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ولا تظني انه كان بوسعك ايقاف الجدار أن ينهار وحبس الماء أن ينسكب ومنع الريح أن تهب وحفظ الزجاج أن ينكسر هذا ليس صحيح وسوف يقع المقدور وينفذ القضاء لذا استسلمي للقدر قبل أن تطوقي بجيش السخط والتذمر والعويل اعترفي بالقضاء قبل أن يدهمك سيل الندم. إذاً فليهدأ بالك إذا فعلت الاسباب وبذلت الحيل والححت في الدعاء ثم وقع ما كنت تحذرين فهذا هو الذي كان أن يقع واعلمي أنه لن تهدأ أعصابك وتسكن بلابل نفسك وتذهب وساوس صدرك وتعيشي السعادة حتى تؤمني أنه لن يصيبنا إلا ماكتب الله تعالى لنا.

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: برنلمج معاً نحو السعادة -الحلقة الرابعة والحلقة الخامسة- الدورة البرامجية 29

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا