كيفية تعليم الطفل على تحمل المسؤولية
2023/01/16
657

إن تدريب الطفل على الاعتماد على النفس هو فكر تربوي غير متواجد بالشكل الذي ينبغي في تربية أبنائنا في عالمنا العربي، فلا يلقى الاهتمام الكافي بتدريب الأبناء عليه منذ الصغر، ونتيجة لذلك يشب أولادنا غير متحملين مسؤولية أنفسهم التحمل الكافي، وغير معتمدين على أنفسهم الاعتماد الواجب.

والسؤال الآن: كيف أربي ابني على تحمل المسؤولية والاعتماد على النفس؟
وتأتي القاعدة التربوية المهمة: إذا أردت أن يعتمد ابنك على نفسه فتدريبه على تحمل المسؤولية ومساعدته في ذلك أمر هام جداً خاصة إذا نجح الولد في تحمل بعضها، وأظهر براعة في ذلك، فإن هذا النجاح يدفعه إلى مزيد من الجهد، والثقة بالنفس، والاعتماد عليها فالطفل في صغره خال من المسؤوليات صغيرها وكبيرها، فيتدرج في تحملها شيئاً فشيئاً بدءاً من تحمل أعباء خلع الملابس وارتدائها، إلى قضاء الحاجة، إلى الأدب في مجالس الكبار والصمت، إلى التحكم في العواطف والانفعالات، إلى أن يؤهل لتحمل المسؤولية الكبرى والأمانة العظمى التي كلف بها البشر كما قال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب:72]، فهذه الأمانة لا يمكن أن يتحملها البالغ الراشد؛ إلا بعد أن يتدرب على تحمل المسؤوليات الصغرى، ويتدرج في تحملها من الأسهل إلى الصعب، لهذا كان دور الوالدين هاماً في تدريبهما للأولاد على الثقة بنفسه، وتحمل الأعباء..

والأب المسلم الواعي يحاول قدر المستطاع أن يعطي الفرصة لولده ليبرز قدراته لحل مشكلاته الصغيرة في عالم الطفولة، فلا ينبري دونه لحل كل ما يواجهه من المشكلات المختلفة، فإن شخصية الولد الصغير تنمو بشكل أفضل من خلال مواجهته للصعوبات المختلفة وتغلبه عليها فيكون ذلك دافعاً إلى مزيد من الجهد والعطاء، وليس معنى هذا أن يترك الولد وشأنه في مواجهة جميع المشكلات، بل يساعد ويؤخذ بيده للوصول إلى أفضل حل للمشكلة، خاصة إن كان حلها صعباً عليه لصغر سنه، وقلة خبرته.

ويمكن للوالد مستمعاتي أن يبدأ في تحميل ولده المسئوليات في وقت مبكر، خاصة عندما يظهر الولد الرغبة في ذلك، فيشجعه عليها، ولا يمنعه أو يثبطه لصغر سنه، فإنه لا توجد سن معينة يبدأ فيها بتحميل الطفل المسؤوليات..
فيمكن للأب أن يدرب ابنه بعد سن التمييز على تحمل المسؤولية من خلال تكليفه إدارة ما يملك من النقود، كأن يتولى شراء بعض الحلوى مثلاً من دكان قريب من المنزل، فيتعلم حسن إدارة ما يملك، فيتأهل لواقع الحياة الاقتصادي، إلى جانب أنه يحس بنشوة عظيمة حيث تولى هو بنفسه شراء ما يريد، فترتفع معنوياته وتزيد ثقته بنفسه.

أما الطفل الصغير دون التمييز فيمكن تدريبه على تحمل المسؤولية من خلال أمر الأم بإعطائه فرصة تولي الأكل بنفسه مثلاً، فإن كثيراً من الأولاد يحاولون أن يتولوا هذه المهمة بأنفسهم كالكبار، فإذا طلب الولد أن يتولى إطعام نفسه فلا بأس بإعطائه الفرصة في بعض الأحيان وتدريبه على ذلك مع أخذ الاحتياطات اللازمة لضمان عدم اتساخ ملابسه، والمكان من حوله، فإن الولد الذي يتدرب على الأكل بنفسه منذ صغر سنه؛ يمكن الاعتماد عليه في ذلك بعد فترة قصيرة من الزمن، فيسبق أقرانه من الأولاد الذين لم تؤهلهم أسرهم لذلك، فتكون تلك ميزة له، وتفوقاً يعتز به على أقرانه.

كما يمكن تحميل الطفل أعباء خطئه فيشعر بالمسؤولية، ويحس بها من خلال تحميله مسؤولية تنظيف ألعابه وأدواته التي تركها في فناء المنزل فأصابها المطر مثلا، وأتلف بعضها، كما يتحمل تكاليف كسره زجاج النافذة بالكرة حيث أهمل ولم يلعب في المكان المخصص لذلك..
بعد ذلك يأتي دور التعزيز لسلوك الاعتماد على النفس، فبعد أن يقوم الطفل بما يريد بنفسه، لا بد أن تثني على الطفل، وتمدح قيامه بالسلوك الصواب منفردًا، وتحكي للضيوف، وتعرفهم على مسمع منه طبعًا بانه قام بكذا وكذا، كأنك تتفاخر بابنك الطيب، أو تتباهي بابنتك اللطيفة.
فمع تدريبه على الاعتماد على النفس أو المسؤولية الذاتية، نبدأ في التوسع في تحميل المسؤولية في دوائر يتسع اللاحق منها باستمرار بعد إتقان السابق بشأن تحمل مسؤولية الآخرين، فيبدأ الطفل بتحمل مسؤولية خدمة إخوته، ثم تلي ذلك مسؤولية دائرة الجيران، ثم دائرة الأقارب، ثم دائرة الشارع أو الحي، وتظل تلك الدوائر حتى تتصاعد شيئا فشيئا حتى يخرج الطفل شيئًا فشيئًا من أنانيته البغيضة إلى عالم المعاملات الإنسانية الراقية التي تجعل الإنسان إنسانًا، ويستطيع أن يتحرر من رغباته الضيقة المحدودة، ويرى العالم الرحب الجميل الذي يتجلى في خدمة الآخرين، ويستطيع أن يستشعر المتعة الموجودة في قضاء مصالح الناس.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: إذاعة الكفيل - برنامج أسرتنا الى أين الدورة الــ 56 - الحلقة التاسعة.

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا