تأملات في تراتبية المواليد الشعبانية
2025/02/01
167

تأملات في تراتبية المواليد الشعبانية

شهر شعبان هو شهر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وفيه من النفحات القدسية والعبادات القُربية ما يعمّق الارتباط برسول الله (صلى الله عليه وآله) ضمن سلسلة من التهيئة الروحية تبدأ من شهر رجب شهر أمير المؤمنين (عليه السلام) مروراً بشعبان شهر سول الله (صلى الله عليه وآله) وصولاً إلى الذروة في شهر رمضان شهر الله تعالى.
ومن أبرز مصاديق تعميق الارتباط برسول الله (صلى الله عليه وآله) هي (المودة في القربى) التي جعلها الله تعالى أجر الرسالة المحمدية في قوله تعالى: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى﴾ (الشورى: ٢٣).
ومن لطائف وأسرار هذا الشهر الفضيل أنّه يتضمّن بين طيّات أيامه الغرّاء ذكرى مواليد عطرة لقربى أهل بيت النبوة (عليهم السلام)، لستة من الأقمار الزاهرة، وهم بالترتيب: الإمام ابي عبد الله الحسين، ومولانا ابي الفضل العباس، والإمام السجاد، ومولانا علي الأكبر، ومولانا القاسم بن الحسن، والإمام المهدي المنتظر (صلوات الله وسلامه عليهم)، ومودتنا واتباعنا لهم هو أهم ما نقدمه للنبي (صلى الله عليه وآله) لا سيّما في شهره شعبان، مع ملاحظة أنّ المودة القلبية لا تكفي في إعطاء أجر الرسالة، ما لم نشفعه بإيماننا بهم وحسن الالتزام بسيرتهم (عليهم السلام).
ولو تأملنا قليلاً في المواليد الخمسة الأولى للاحظنا أنها تخص الشموس الزواهر لأهم شخصيات معركة كربلاء، معركة الإصلاح، معركة رفض الظلم والاستكبار، معركة بسط العدل في مجتمع ضاعت كل قيمه ومبادئه وثوابته، فكانت نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) رمز الإصلاح على مرّ العصور، وكان دوره أساسياً ومركزياً في نهضة الأُمة بعد تقهقرها، وصناعة إنسان رسالي بعد أنْ تشوَهتْ معالم إيمانه، الّذي كان متخبّطَ الخطى في ظل سياسة القمع والإرهاب والتجهيل!
كما تجسّدت قيم الأُخوّة والبطولة والفداء والوفاء والغيرة والحمية في نفس أبي الفضل العباس (عليه السلام)، ودوره البطولي الكبير في الدفاع عن الإسلام لا يقل بطولة عن أخلاقه العالية والمفاهيم الإنسانية والأخوية التي غرسها في الأُمة، فقد علّمنا (عليه السلام) بحبه وإيثاره بنفسه وإخوته الأشقّاء في سبيل إخوته غير الأشقّاء؛ كالحسين وزينب (عليهما السلام)، لأنّهم حجج الله على خلقه.. علّمنا كيف نجمع الأخوة بدون فوارق، وكيف نذيب الأنانية في نفوسنا.
ولا يخفى التأثير الكبير في عطاء الإمام السجاد (عليه السلام) بعد كربلاء في ظل الأسر والسبي والتشديد والتضييق والإقامة الجبرية، فلم ينكفئ (عليه السلام) عن الدعوة إلى الله تعالى
وتربية الأُمة في أحلك الظروف، فربّى الأُمة بالدعاء والمناجاة والانقطاع إلى الله سبحانه وتعالى بالعبادة، فلم تمنعه القيود والحبس الجبري عن أداء مهامه، والقيام بدوره في صناعة الإنسان وصناعة أُمة واعية تقدّر قيمة إصلاح مجتمعها بأيّة وسيلة متاحة لديه، فهو مَن أكمل مسيرة كربلاء بعد أبيه الحسين (عليه السلام) بقوة إرادته عن طريق زرع مفاهيمها الحقة في الأُمة.
وللشباب الملتزم والواعي دوره الكبير في بناء المجتمع الصالح الذي أراده الرسول (صلى الله عليه وآله).. فشبيهه علي الأكبر (عليه السلام) مثال للشاب الذي جعل من إيمانه بالمبدأ نقطة الانطلاق نحو المجد والخلود بحماسة الشباب وعنفوان مشاعرهم، فكانت كلماته الخالدة: (لا نبالي أن نموت محقين) (الإرشاد: ج٢/ص٨٢) شعاراً لكلِّ الشباب الغيور على دينه ومجتمعه من الانتهاك، وخير مثال على طاعة الوالدين واحترامهم.
ومع القاسم بن الحسن (عليه السلام) لنا وقفة مع الأشبال، إذ علّمنا (عليه السلام) -على صغر سنه- معالم التربية الحسنة والوعي لتحديات الظرف المرحلي، وهذا ناجم عن الملكات النفسية الخاصة لهذا الغلام، وعن استعداده الكبير لتحمل مسؤوليةٍ عجز عنها الكثير من الرجال المتخاذلين عن نصرة إمام زمانهم، فهبّ القاسم (عليه السلام) ليرسم لنا أروع صور النصرة وبأبهى أشكالها.
من كربلاء وشخوصها وشواخصها ننطلق بالتدريج نحو الإمام المهدي (صلى الله عليه وآله) في منتصف الرحلة الملكوتية في هذا الشهر الفضيل -مع ملاحظة أنّ القمر في منتصف الشهر يكون البدر كاملاً- وربما هو كناية عن كمال الدين وإتمام النعمة في ولادة المنقذ والمخلِّص لهذه الأُمة، الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما مُلئتْ ظلماً وجوراً بثورة تصحيحية شاملة..
فعلى المنتظِر لإمام زمانه في زمن الغَيبة والشبهات أنْ يتسلّح بالإيمان والوعي لنصرة إمام زمانه؛ استعداداً لظهوره المبارك، بعد أن يحصِّن نفسه أولاً بالمفاهيم والعِبر التي استقاها من ملحمة كربلاء وشخصياتها الخالدة.

✍️ عبير المنظور

__________________________________________

نشرة الكفيل / نشرة أُسبوعيةٌ ثقافيةٌ (مجانية)، تتناولُ المعارفَ القُرآنيةَ، والعقائديةَ، والفِقهيةَ، والتاريخيةَ، والأخلاقيةَ، والتربويةَ، والاجتماعيةَ، والصحيةَ بأُسلوبٍ مبسّطٍ ومختصرٍ، تصدر عن العتبة العباسية المقدسة/ العدد 1006.

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا