الرضا والصبر على البلوى
2020/06/13
531

إن الإيمان أيتها الأخوات يقين يسكن الأعماق، ومعرفة الله لها مذاق حلو يطبع النفوس على النبل والتسامي، ويصفي النفوس من كدرها، إنه شوق إلى الله، ومسارعة إلى مرضاته.

والرضا عمل قلبي يجمع القبول والانقياد، والرضا أساس الإسلام وقاعدة الإيمان، وشرط شهادة التوحيد؛ قال الله – عز وجل -: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً).

فأقسم الحق – سبحانه – أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا الله ورسوله، ويرتفع الحرج من نفوسهم من حكمه، ويسلموا له تسليماً، وهذه حقيقة الرضا بحكمه وشرعه، وقد أسند الحرج والاستسلام للنفس لا للقلب لحكمة دقيقة، وهي: أن النفس مكمن الهوى والشهوات، والاحتجاج والاعتراض.

ومن هنا، قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) -: «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً»، فالرضا بإلهيته يتضمن: الرضا بمحبته وحده، وخوفه ورجائه، وإفراده بالعبادة والإخلاص له، والرضا بربوبيته يتضمن: الرضا بتدبيره لعبده، والاعتماد عليه، وأن يكون راضياً بكل ما يفعله به مولاه.

وأما الرضا بنبيه رسولاً فيتضمن: كمال الانقياد له، والتسليم المطلق إليه.

وأما الرضا بدينه: فإذا قال أو حكم أو أمر أو نهى رضي كل الرضا، ولم يبق في قلبه حرج من حكمه، وسلم له تسليماً ولو كان مخالفاً لمراد نفسه أو هواها، أو قول مقلده وشيخه وطائفته.

إن الرضا بالله ايتها المستمعات هو عين العزة، والصحبة مع الله ورسوله، وروح الأنس به..

ولذلك كان الرضا باب الله الأعظم، وجنة الدنيا، ومستراح العارفين، وحياة المحبين، ونعيم العابدين، وقرة عيون المشتاقين.

وينافي الرضا ويقابله: الاعتراض والكراهية لما أنزل الله، لبعضه أو كله؛ فالرضا هو الاستسلام والقبول والانقياد، وضده الرد والاعتراض والإباء، وأصل هذا الاعتراض هو اتباع الهوى، والاستمداد من غير الوحي، والتلقي من غير الله ورسوله.

فمن الناس من حكم العقل والهوى والرأي، وتتبع فلسفة التائهين، ومنهم من حكم الذوق والوجد والكشف، وتلاعب الشيطان بعقله، فانتكس إلى حضيض الخرافة والوهم، ومنهم من بحث عن المصالح الدنيوية، وركن للأعراف الأرضية، وتبع الهوى متدرعاً بالأقيسة والآراء لإباحة ما حرم الله، وتحريم ما أحل، وإسقاط ما أوجب، وتصحيح ما أبطل.

وسبب ذلك كله هو اتباع الهوى، وعدم الرضا بالله ورسوله ودينه. ولهذا ملئ القرآن الكريم بالتحذير من الهوى؛ بل إن من مقاصد الشريعة: إخراج المكلف من داعية الهوى إلى اتباع الشرع، وبهذا يحصل الابتلاء، ويفترق الطائع عن العاصي، والعابد عن الفاسق؛ قال الله – عز وجل -: (ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض.

اذاً، فإن التزام شريعة الله، وتحري طاعة الله هي قضية عقدية ومسألة إيمانية، قبل أن تكون أحكاماً عملية، وفروعاً فقهية. وإن سبب كل انحراف وذل وهزيمة وفرقة في حياتنا هو البعد عن منهج أهل السنة والجماعة في العقيدة والسلوك، والتدين، وسبيل الإصلاح.

كما أن التفلت من الطاعات، والهرب من التكاليف والواجبات هو سبب التخاذل والتردي الذي تعاني منه الأمة.

وإن الشرع لا يهبط لمستوى تفريط الإنسان حتى يبرر له كسله وعصيانه، فالشرع لا يتبع هوى الناس؛ بل الشارع يطالبهم أن يرقوا إلى عز الطاعة، ويعلوا إلى سمو التعبد.

ولكن النفس وهي تتراخى عن العمل بالتدريج، وتتفلت من الواجبات، وتنحدر عن قمة الامتثال شيئاً فشيئاً لتحاول أن تجد لها تفسيراً مريحاً يبرر لها تراخيها وتفريطها، وهذه حقيقة نفسية معروفة.


إن على الأمة أن تأخذ أوامر الله بجد وحزم، وأن تبتغي بها مراقي العز بعزم، وألا تنظر للأحكام على أنها تكاليف تحتال لها بالتخفيف، فإن أحكام الشرع مهما عظمت فهي ليست أثقالاً؛ بل هي أسباب قوة، كالنسر المخلوق لطبقات الجو العليا، ويحمل دائماً من أجل هذه الطبقات ثقل جناحيه العظيمين.

والله تعالى يقول: (خذوا ما آتيناكم بقوة) ومما ينبغي أن يتعلمه الناس ويبث فيهم: نداءات الإيمان، ومواعظ القرآن، ومعاني الورع والعفة والتقوى والخوف من الله ومراقبتهه، فالرضا بالله وبدينه وبرسوله تمام الإيمان، والإيمان تمام الرضا.

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج قناديل وضاءة- الحلقة الحادية عشرة- الدورة البرامجية56.


 

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا