الشكر على النعم
2020/06/08
412

إن ربَّنا جل وعلا أخواتي يُذكِّرُنا بنعمِه العامة والخاصة لتشكروه؛ قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ).

وأخبَرَنا تبارك وتعالى أن النعمَ كلها منه، لنقوم بحقه – تبارك وتعالى – في العبادة والشكر، ونرغب إليه في الزيادة؛ قال تبارك وتعالى: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ)؛ فالحسنات تصيب الإنسان تفضل من الله ورحمة من جميع الوجوه، والسيئات بسببٍ من الإنسان، والله كتبها وقدَّرها، ولا يظلم الربُّ – عز وجل – أحداً مِثقالَ ذرَّة، والناس يعلمون كثيراً من النّعم، ويجهلون أكثرَ النِّعَم، فكم من نعمةٍ ساقَها الله إليك  أيها الإنسان، ومتَّعَك بها.. وأنت لا تشعُرُ بها! وكم من شرٍّ ومُصيبةٍ دفَعَها الله عنك.. وأنت لا تعلمُها! قال الله تعالى في حفظِ الإنسان: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ).

والكثير من أعضاء البدَن تقومُ بعملِها لنفع البدَن وحياتِه بغير إرادةٍ من الإنسان ومن لا يقدِرُ أن يُحصِيَ النِّعَم فهو يجهلُ أكثرَها.

ومنَّ الله تعالى بالنِّعَم لتُسخَّر في طاعة الله وعبادتِه، وعمارةِ الأرض وإصلاحِها؛ فشُكرُ النِّعَم أخواتي هو باجتماعِ أمورٍ بمحبَّة المُنعِمِ (جل وعلا) على نعمِه، والخُضوعِ لله لما أنعَمَ عليك، مع تيقُّنِ القلبِ أن كل نعمةٍ تفضُّلٌ وإحسانٌ على العبدِ من جميعِ الوجوه، لا يستحِقُّها العبد على الله، والثناء على الرب باللسان بهذه النِّعَم، والقبولِ لها بتلقِّيها بالفاقَة والفقرِ إلى الله، وتعظيمِ النِّعمة، واستِعمالِ النِّعَم فيما يحبُّ الله تبارك وتعالى.

فمن استخدم آلاء الله أخواتي فيما يحبُّ الله ويرضى، وجعلَها عونًا على إقامة الدين في نفسه، وأدَّى بها الواجِبات المفروضة عليه فيها بالإحسان إلى الخلق منها؛ فقد شكَرَها، ومن استخدَمَ نعمَ الله فيما يُبغِضُ الله، أو منَعَ الحقوقَ الواجِبةَ فيها؛ فقد كفَرَ النِّعمةَ.

وألا تُبطِرَه النِّعَم، ويُداخِلَه الغرور، ويُوسوس له الشيطان بأنه أفضل من غيرِه بهذه النِّعَم، وأنه ما خُصَّ بها إلا لمزِيَّةٍ على من سِواه، وليعلَم أن الله يبتلِي بالخير والشرِّ؛ ليعلَمَ الشاكرين والصابِرين.

والإيمان نصفه شُكر، ونصفه صبر؛ قال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) 
وأعظمُ الشُّكر أخواتي: الإيمانُ بربِّ العالمين؛ فهو شُكرُ نعمةِ رسالةِ محمدٍ(صلى الله عليه وآله وسلم) التي أرسلَه به رحمةً للناس، ويأتي بعدَها شُكرُ كل نعمةٍ بخُصوصِها إلى أصغَر نعمة، وليس في نعَمِ الله صغير.

وأعظمُ كُفرٍ للنِّعَم الكُفرُ بالقرآن والسنَّة، ولا ينفَعُ شُكرٌ لأي نعمةٍ مع الكُفر بالإسلام؛ وقد وعَدَ الله الشاكرينَ بدوامِ النِّعَم وزيادتِها وبركاتِها؛ والشاكِرون هم الفائِزون بخَيرَي الدنيا والآخرة؛ قال الله تعالى: (وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) والشاكِرون هم الناجُون من عقوباتِ الدنيا وشُرورِها، ومن كُرُبات الآخرة؛
والشكرُ مقامُ لأنبياء والمُرسَلين، وعبادِ الله المُؤمنين، وأن الشاكِرون هم أهلُ نِعَم الله الذين يخُصُّهم بما لا يخُصُّ غيرَهم؛ وهم خاصَّةُ الله من خلقِه، لذلك كانُوا قليلاً؛ فيا أيها الشاكِر: دُم على الشُّكر والاستِقامة، فمن وفَى مع الله وفَى الله له ولا يستزِلَّك الشيطانُ – أيها الشاكِر – فتُقصِّرَ في الشُّكر، أو تُغيِّرضه إلى كُفرٍ بالنِّعمة، فتتغيَّر عليك الأحوال من حسنِها إلى سُوئِها وشرِّها وقُبحِها.

أي: من لم يشكُر على النِّعَم عاقبَه الله – تبارك وتعالى – عقوبةَ نَكالٍ؛ فمن كان على دوامِ شُكرٍ زادَه الله، ومن تحوَّل من المعاصِي إلى ما يُرضِي الله، تحوَّل الله له مما يكرَه ويسوؤُه إلى ما يُحبُّ، ومن كان مُوافِقًا لله في القُرُبات ومُباعَدة المعاصِي؛ تولَّى الله أمورَه، ووفَّقَه بتوفيقِه، وأحسنَ عاقِبَتَه في الأمورِ كلِّها، فكُن – يا عبد الله – مع الشاكِرين الذين يصُبُّ الله عليهم الخيرَ صبًّا، ويُعافِيهم من العقوبات والهلاك.

ولله تعالى أخواتي في كل وقتٍ نِعَمٌ خاصَّة وعامَّة، واجتِماعُ الكلمة نعمةٌ على الأمة، وقوَّةٌ في دينِ الله، وتأييدٌ لشعائِر الإسلام، وحِفظٌ لانتِظامِ مصالِح الدنيا،
والله – عز وجل – يُذكِّرُنا بالاجتِماع، وينهانَا عن الاختِلافِ؛ قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وشُكرُ النِّعَم منافِعُه في الدارَين للشاكِر، والغفلةُ عن الشُّكر ضرَرُه على الغافِل؛ قال الله تعالى: (وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ).

واعلَموا أن العبدَ مهما أطاعَ ربَّه، وتقرَّبَ إليه بأنواعِ القُرُبات لن يقوم بشُكرِ ربِّه على الكمالِ والتَّمامِ، ولكن حسبُه أن يقومَ بالفرائِض، وينتهِيَ عن النواهِي، ويعلَم أنه لولا رحمةُ الله لكانَ من الخاسِرين، ويُلازِمَ الاستِغفارَ من التقصير، وأن يُكثِرَ الدعاءَ لربِّه بالمعُونَة والتوفيق، وأن يُكثِرَ من ذِكرِ الله تعالى؛ فالذِّكرُ يسبِقُ به إلى أجلِّ المقامات.

نعم أخواتي هذه هي عاقبة الشكر والشاكرين وهذه هي مقاماتهم فمن شكر ظفر ومن جحد كفر.

 


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج قناديل وضاءة- الحلقة الثالثة- الدورة البرامجية56.


تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا