الوفاء
2020/05/19
631

إن الوفاء صفة كمال ومدح مطلوبة في الناس أجمعين وهي واجبة على عباد الله المؤمنين، والوفاء ضد الغدر والشخص الوفي هو الذي يؤدي ما عليه كاملاً ولا ينسى الإحسان من أهل الإحسان، والوفاء على درجات أعلاها الوفاء مع الله يقول الله جل جلاله:( وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) وكذلك الوفاء في حياة الناس وبين الناس.

فمن صور الوفاء التي بدأ يلمس الفرد ضعف الوفاء بها ايتها المستمعات الوفاء للوالدين الأب والأم اللذان أنفقا حياتهما ومالهما وجهدهما في سبيل إسعاد أولادهم فما النتيجة؟ يكونان محبوبان ماداما بصحة وعافية يذهبان ويأتيان وينفقان أما إذا كبرا أو افتقرا واحتاجا أو مرضا فيصبحان عبئاً ثقيلاً يحرص كل ولد أن يتنصل من خدمتهم ويدفعهم إلى الآخر،أو قد يكون مصيرهم في النهاية إلى دور الرعاية الاجتماعية!وما علم أولئك الأولاد بأن هذا دين سيسددونه في حياتهم فما فعلوه بآبائهم سيفعله غداً بهم أبناؤهم.

 إن الوفاء إذا فقد في حياة الناس تحولت حياة الناس إلى جحيم لا يطاق، وتتعرقل حركة الحياة فالرجل لا يتزوج مخافة عدم وفاة زوجته والمرأة لا تتزوج مخافة عدم وفاء زوجها لها، والزوجان يقللان من الإنجاب مخافة عدم وفاء الأبناء والتجار كل يخاف من الآخر ألا يفي له بعقده ،
 وهكذا تعيش الأمة في حالة من الشك والاضطراب.

 وحكايات الوفاء كثيرة ولكن لن تجد الوفاء بمعناه الحقيقي إلا عند شخصين هما والد وولداه هم أمير المؤمنين علي ابن ابي طالب(عليه السلام) الذي لا بد من ذكره فوفائه للرسول صل الله عليه واله قد تخطى كل شيء وبكل الطرقات من النوم في فراشه الى تنفيذ وصيته حرفياً بعد مماته وأبا الفضل العباس(عليه السلام) الذي سنذكر جزء بسيطا من حكاية طويلة للوفاء تحتاج الى اقلام وبحار مدداً.

يقول القرآن الكريم في قصة طالوت: فلما فصل طالوت بالجنود قال ان الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني الا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه الا قليلا منهم. 

والاية الكريمة لا تحتاج الى تفسير فهو واضح معنها ان هناك نهي من شرب الماء الا ان هناك استثناء الشرب قليلا ليسدوا رمقهم وهنا الاشارة ان الذي يشرب الماء كثيرا يخرج من دائرة طالوت اي يخرج من دين الله تعالى فأن الدين كان يمثله طالوت فهم لم يمتثلوا امر الله تعالى بشيء بسيط وامر كان يقدرون عليه وماذا كانت النتيجة فقد سلب توفيقهم من الجهاد في سبيل الله تعالى.

أما قمر بني هاشم عليه السلام الذي لم يشهد التاريخ مثله ولن يشهد أبداً رغم عطشه الشديد ووصله الى الماء وليس هناك أمر من الله تعالى أو الامام بعدم شرب الماء ماذا فعل (عليه السلام).

وصل الى المشرعة أيتها الاخوات  وحمل الماء ليقول لهم ولنا وللتاريخ انه استطاع الوصول الى الماء وإن حمل الماء، وهنا كان الايثار وهنا كان الوفاء حيث لم يذق قطرة ماء أبداً. 

ويذكر أخواتي أن ابا الفضل (عليه السلام) عندما وضع يده بالماء احس ببرودته حيث أن الانسان الطبيعي في أي مجال كان عندما يضع يده في الماء يحس ببرودته وخاصة اذا كان نهر فكيف بفارس في قلب المعركة ولم يذق طعم الماء ابدا فعملية رفع الماء هو اثبات منه للجميع ليثبت للتاريخ انه وصل للماء.
ولكن لم يشرب الماء وأحضر القربة وكان كل همه إيصالها الى المخيم حيث كان اطفال الحسين عليه السلام بانتظاره.
وكان الماء كان مباح له وهو لو شرب من الماء لكان لم يخرج من ولاية الحسين عليه السلام بل من ولاية الله تعالى وهنا الاشارة ان الحسين(عليه السلام) قبل ذهاب ابا الفضل العباس (عليه السلام) ماذا قال له: اركب بنفسي انت يا أخي.

أي أعطاه مرتبتين لم ولن يصل أحد إليها في التاريخ أبداً قبل ذهابه الى الماء فهنا اذا عدنا الى قضية طالوت ماذا قال لهم قبل ذهابهم الى الماء؟ سنعرف كم هذا الانسان من درجة عظيمة قد وصلها فهو أخذ الرتبة قبل الامتحان؛ لأن الحسين (عليه السلام) يعلم من هو أبا الفضل العباس (عليه السلام) وأي وفاء هو حيث لم يذق طعم الماء الى أن استشهد بين يدي أخيه الحسين (عليه السلام).

هذه الدروس في الوفاء  نتعلمها دائماً من أهل البيت(عليهم السلام) وكأن الله تعالى ذكر قصص الانبياء والرسل وأشار الينا أن نقارنها بأهل البيت(عليهم السلام) لنجد الفرق الواضح لماذا هم اعظم خلق الله تعالى.

وبالحديث عن الوفاء الذي جسده سيدنا ومولانا أبا الفضل العباس(ع) في واقعة الطف خير تجسيد فأصبح وهجا للامل في قلوب محبيه ومواليه.

إضافة الى الدروس الاخلاقية التي ذكرناها تباعاً في حلقات هذا البرنامج من حب وسعادة وثقة ووفاء الى الخوف وكيفية تجنبه والابتسامة التي هي صدقة لنا كذلك ما تحدثنا عنه من الظلم والطمانينة والصفح والاخلاق المتجسدة بالرحمة والذكرى الطيبة والدعاء لله(عز وجل) والتي نتمنى أن تكون وهجاً منيراً للأمل في أنفسنا وأنفسكم نسير عليها ونتبعها في حياتنا لنسعد بإذنه تعالى.

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: برنامج وهج الأمل- الحلقة الثانية عشرة- الدورة البرامجية44.

 

 


تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا