التبرم والخشونة في التعامل مع الآخرين
2020/03/12
523

إن من الأمراض الروحية وأوبئة النفس المريضة، مرض التبرم والخشونة في التعامل مع الآخرين.. ويعد هذا التصرف الشنيع وبالاً على من قام به، حيث يذهب بأعمال الدنيا هباء، وتبقى تبعاته في الآخرة.. فالتبرم والخشونة والضيق في التعامل مع عبيد المولى عز وجل، ما هي إلا صراع واحتدام للخواطر النفسية، والرغبات الروحية، بإعادة طريق الإرادة والعزيمة.. وكأن قوة الإرادة أمر صعب مستصعب، خارج عن يدي المنتكسين والمتبرمين.. وكأن النفس الأمارة هي من تسوق الروح الطاهرة، والنفس الراقية، في طريق التعامل مع الخلق؛ لتكون عقبة تعوق الوصول إلى الحق.  

وحيث أن الخشونة من الظواهر الشائعة في الأوساط ، وخاصة مع الذين لا يجدون لهم ناصرا إلا الله تعالى.. فمن الملاحظ أن الإنسان؛ نتيجة لطول الصحبة مع من حوله - كالأهل والأولاد- يستسهل شيئا من الخشونة معهم في التعامل، مما قد يوقعه بالمآل في غضب المولى القوي وإن الخشونة في التعامل تبدأ كحالة طارئة، لتتحول إلى ملكة في النفس يصعب اقتلاعها، وإن كان ممكنا بصعوبة.. لأن الملكة حصيلة الأفعال، سواء في جانب الخير أو الشر.. ومن وجه آخر نحاول اكتشاف أسرار اللين، ونعائم اللطف والرفق.. سنجد شطراً واسعاً من حياة الإسلام الأولى، وكيف أخذ بالاتساع، وأخذت سيرته تعزف ألحان الخلود على أوتار الحياة؛ لتسمع الأمة صدى الإسلام، وحياة الإيمان، متجسداً في شتى صور الإنسان المتكامل!.. وكيف بقي الإسلام بالرغم من كل هذه الصراعات، شامخاً على مر التأريخ..غير أن التبرم والخشونة، قد تكون أمراً شنيعاً ومريعا إذا تجسد بـ(المؤمنين الرساليين) على الرغم من كل تلك العلوم الجمة التي امتازوا بها.. فإن الإنسان الخشن يتحول بالتدرج إلى إنسان ممقوت في الوسط الذي يعيش فيه، مما يفقده حالة التأثير الإيجابي.. فمن الممكن أن يتعمد الطرف المقابل مخالفة المعروف، نكاية بالأمر به، وذلك للخطأ في أسلوب التعامل.

ومن الجميل جداً بعد استعرضنا للخشونة، وتأثيرها السلبي في الوجود أن نتطرق إلى أسباب هذا المرض؛ لنجد له حلاً جذرياً لعلاجه، ولنعيش حالات القرب من المولى عز وجل.. ولنبتعد عن أسباب سخطه، ولنلتمس رضاه ومحبته، للتوفيق الإلهي الأبدي، ومن أسباب الخشونة: 

- عدم وجود رادع خارجي: إن الانقياد لأوامر المولى عز وجل، تعد من الأمور التكاملية.. والإنسان بطبعه مفطور على حب الكمال، وينشد بسرعة للكمال وللتكامل، ويرى أنه من المؤسف جداً أن يكون منقاداً لأهواء نفسه.. لذا فهو دائماً ما يظهر خلاف الواقع والحقيقة، متظاهراً ارتباطه الوثيق بالله عز وجل.. غير أنه من الحالات الشاذة يكون الإنسان مظهراً لنقائصه، ولعيوبه، شاهراً أثواب المعصية والخذلان أمام خلق الله أجمعين مظهراً شتى أنواع المعصية والخطايا، على غير الجبلة والعادة التي أودعها الله في نفسه.. وغالباً ما تكون هذه المعاصي، ومنها معصية الخشونة في التعامل والحدة في التفاهم مع الطرف المقابل، لا يوقفها إلا إذا ما اصطدمت مع الحقيقة المرة، والرادع المؤثر، والذي يخشى من أن يلحقه ضرره وخطره.

- الإخفاقات المتوالية: إن الله عز وجل قد أودع سننه في الكون بنظام دقيق، تعطي لكل حق حقه، وتفرض لكل منا نصيبه في الدنيا: من الشقاوة والسعادة، والفرح والتعاسة.. ومن شفقة المولى ورحمته بنا، أنه جعل هذه الانتكاسات تنصب في جانب واحد من جوانب حياتنا، إلا أن البعض من الذين انتهجوا سبل الخشونة والغلاظة، قد مزجوا تلك الآهات والأحزان بقريناتها من جوانب الحياة المختلفة من المرح والسعادة؛ لتغدو حياتهم بأسرها مزيجا من التعاسة والأسى، رافعين أعلام الحزن، ناشرين رايات الكآبة. 

عزيزتي.. وبعد مرور عابر على أسباب الخشونة والحدة في التعامل مع خلق الله، نتطرق بشيء من الإيضاح للحلول المؤثرة، والتي تعوق من حدة التعامل مع خلق الله ومنها:

 -الالتفات إلى سلبيات الخشونة: فإن الأمراض الروحية، وبحكم كونها أوبئة فتاكة وقاتلة لرونق الأرواح، ومغايرة لشذى عبيرها، تلحق الأضرار الجسيمة على هذه الأرواح.. لتصيرها آلة طيّعة بيد الأهواء والصراعات الباطنية؛ ولتجعل من المحتدم مع عبيد الله عز وجل جسداً منفراً، وروحاً فارغة.

- تراكم الذنوب: فإن تراكب المعاصي وتراكمها على القلب، لتغطيه بالحجب، وتتستر عليه بالأكنة.. تجعل الإنسان موجوداً ثائراً، يغاير خلاف الواقع، خادعاً نفسه بالتكامل، بعيداً عن التخاذل والتسافل.. فمن باب أولى بنا أن نغسل قلوبنا من زيغ الأهواء والتبعات، ولنتمثل بالله عز وجل؛ لننال توفيقه ورضاه.. حيث أن الذي يفقد الشفقة في التعامل مع الخلق، عليه أن يتذكر حاجته إلى شفقة مولاه.. فلنرحم من في الأرض؛ ليرحمنا من في السماء.














ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج مفاهيم من حياتنا- الحلقة الثامنة- الدورة البرامجية 51.

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا