العطاء سمة الأنبياء والأولياء(عليهم اسللام)
2021/12/17
653

إن العطاء سمة بارزة من سمات الأنبياء والأئمة والأولياء(عليهم السلام) والقادة والعظماء، وحياة الأنبياء والأئمة كلها عطاء في عطاء، فرسالتهم في الحياة هي العطاء، والتي تشمل كل جوانب العطاء الروحي والمعنوي والديني والفكري والتربوي والسلوكي، وكذلك القادة والزعماء لا يمكن أن يكونوا كذلك إلا بالعطاء لمجتمعهم وأمتهم؛ وإلا فإنهم قادة وزعماء مزيفون لا يرتبطون بواقع العطاء بأية صلة حقيقية.

ومما يؤسف له حقاً أن أكثر الناس لا يهتمون إلا بقضاياهم الخاصة، ومصالحهم الشخصية؛ ولا يعيرون لقضايا المجتمع أو الأمة أية أهمية، ولذلك يأتون إلى هذه الحياة الدنيا ثم يذهبون إلى العالم الآخر وكأنهم لم يأتوا ولم يولدوا ولم يعيشوا في هذه الحياة.

وهناك من الناس من يهتم بقضايا مجتمعه، ويعمل على تنميته وتطويره، والارتقاء به نحو الأفضل والأحسن، والمساهمة في رقيه نحو مدارج الكمال. 
وقلة قليلة من البشر ممن يكرس حياته كلها من أجل قضايا أمته الكبيرة، فيضحي بوقته وماله وراحته؛ بل وحياته كلها من أجل الارتقاء الحضاري بأمته، ومنافسة الأمم الأخرى، والسعي للتفوق عليها جميعاً.

وعندما نقرأ سيرة الإمام علي (عليه السلام) سنجد أن حياته كلها كانت عطاء متواصلاً من أجل خدمة قضايا أمته، ونشر رسالة الإسلام إلى العالم، والتضحية بمصالحه الشخصية من أجل مصالح الأمة، والصبر على الجراح والمعاناة من أجل إسعاد الآخرين؛ بل والتنازل عن حقه في الحكم والخلافة من أجل حفظ وحدة المسلمين، وتقوية الإسلام؛ وهذا هو من أعظم العطاء.

فلنبدأ الإبحار في سيرة الإمام علي (عليه السلام) من عطائه المالي وإنفاقه كل ماله من أجل إسعاد الفقراء والمحتاجين، فقد (كان الإمام علي (عليه السلام) يقدم الآخرين على نفسه، ويبحث عمن يعطيه ويعد ذلك ديناً عليه، لا له، ويقول: (الكريم يرى مكارم أخلاقه ديناً عليه يقضيه، واللئيم يرى سوالف إحسانه ديناً له يقتضيه).

ولذلك فإنه (عليه السلام) كان يبحث عن ذوي الحاجة ليعطيهم، كما يبحث أحدنا عن الدر والجوهر، وكما يقول أحدهم: (ما كان علي لينتظر حتى يسأله سائل، بل كان يبحث هو نفسه عن صاحب الحاجة، والمسكين، واليتيم، والفقير، والمحروم، يمضي إليهم هو ويعطيهم من ماله ما يعتقد أنه حق لهم معلوم. وكان يقول(عليه السلام): "السخاء ما كان ابتداء أما ما كان عن مسألة فحياء وتذمم" هكذا كان يؤتي ماله يتزكى، وما لأحد عنده من نعمة تجزى، إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى.. ولسوف يرضى، وقد جعله ربه رضياً.

ولشد ما كان يرضى إذ يسعد الآخرين، وكان عند ربه مرضياً، أرضى الله ورسوله، فأرضاه الله ورسوله) وحينما رزق الله المسلمين غنائم كثيرة واتسع رزق المجاهدين منهم، اتخذ بعضهم المزارع، والدور الكبيرة، وفاخر الرياش.. أما هو ونفر من كبار الصحابة، فقد كانوا يتصدقون بما يغنمون!، بل ولم يكن يؤخر العطاء من الليل إلى النهار.

كما كان الإمام علي يعاتب من لا يشجع على الكرم، أو يدعو إلى البخل وقد روي: "إن أمير المؤمنين (عليه السلام) بعث إلى رجلٍ بخمسة أوساق من تمر.

هكذا كان الإمام علي (عليه السلام) في عطائه المالي لا يفرق بين أن يكون العطاء من فضة أو ذهب!! فالمال عنده مال الله، وهو المؤتمن عليه، والناس عباد الله، وعليه أن يعطيهم من مال الله الذي بيده؛ وإن لم يبقَ لعائلته إلا أقل من القليل؛ لأنه إمام المسلمين، وليس كأحدهم.

وكان الإمام يهتم بقضاء حوائج الناس مهما كانت، فيعطف على الضعيف، ويرحم المستضعف، ويقضي حاجة كل محتاج، ويسعى لحل المشاكل بين الناس.
نعم أيتها الفضليات ومظهر آخر من مظاهر العطاء عند الإمام علي (عليه السلام) هو استعداده الدائم للتضحية بنفسه من أجل الإسلام، فما كان الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) يطلب أحداً لمبارزة الأعداء إلا وكان الإمام علي هو السبّاق لذلك، كان الجميع يهابه لكنه لم يكن يهاب من أحد حتى وإن كان معروفاً بقوته وبطولته، وكان الإمام علي (عليه السلام) دائماً هو المنتصر على أعدائه.

ولعل من أبرز مصاديق استعداده للتضحية هو مبيته على فراش النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رغم المخاطر التي كانت تحف به، حيث كان من الممكن أن يستشهد في تلك الليلة؛ لكن الإمام علي (عليه السلام) لم يكن يخاف الموت، ولم يكن يجبن عند الشدائد، فقد كان يعرفه الجميع بالشجاعة والبطولة.
ويتجلى عطاء الإمام علي (عليه السلام ) مرة أخرى بعدم قيامه بأي عمل عنيف ضد من أخذوا الخلافة منه، وتحمله للظلم الذي وقع عليه من أجل الحفاظ على وحدة المسلمين، وانتشار الإسلام، فهمه هو الإسلام وليس ذاته الشخصية.

يقول الإمام علي (عليه السلام): (لقد علمتم أني أحق الناس بها من غيري، ووالله لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن فيها جور إلا عليَّ خاصة، التماساً لأجر ذلك وفضله، وزهداً فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه).

 وخلاصة الكلام: إن مظاهر العطاء في سيرة الإمام علي (عليه السلام) لا تقتصر على جانب دون آخر، ولا على شريحة دون أخرى، ولا على مناسبة دون مناسبة؛ فحياته كلها عطاء، ولذلك سيبقى الإمام علي (عليه السلام) عظيماً على مر الدهور والسنين، ولن تستطيع كل الحواجب أن تمنع شمس عظمته من الإشراق والانتشار.

لتكن حياتنا عطاء فالإنسان الكبير والذي يسجل التأريخ اسمه هو من يعطي وقته وماله وحياته من أجل الآخرين، أما من لا يهتم إلا بمصالح نفسه وذاته، ولا يهمه قضايا الأمة، ومصالح المجتمع، فإن التاريخ لن يقبل أن يسجل هؤلاء الأنانيين في دفاتر وسجلات القادة والعظماء.
نعم ان الإنسان يكون كبيراً بعطائه المتواصل وتفانيه من أجل تنمية مجتمعه، والسعي لتقوية أمته، وكلما كبر عطاء الإنسان كبر حجمه ومكانته عند الله سبحانه وتعالى وعند الناس.

فلتكن حياتنا كلها عطاء، ولنقتدي بالإمام علي(عليه السلام) في عطائه وتضحيته من أجل أن يكون الإسلام في رفعة، والمسلمون في تطور وتقدم وازدهار، وأن يعيش الناس في سعادة واطمئنان.

 

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج ترانيم الغدق-الحلقة الثالثة-الدورة البرامجية66.


 

 

 

 

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا