الرقابة والقيود الأسرية، حدودها وآثارها سلباً وايجاباً
2020/02/06
1642

إن وجود الأسرة هو امتداد للحياة البشرية، وسر البقاء الإنساني، فكل إنسان يميل بفطرته إلى أن يظفر ببيتٍ وزوجةٍ وذرية..، ولما كانت الأسرة اللبنة الأولى في بناء المجتمع لكونها رابطة رفيعة المستوى محددة الغاية، فقد رعتها الأديان عموماً؛ وإن كان الإسلام تميز بالرعاية الكبرى، قال تعالى:(إنَّا عرضنا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ والجِبَالِ) وجاء ضمن معاني الأمانة؛ أمانة الأهل والأولاد، فيلزم الولي أن يأمر أهله وأولاده بالصلاة، ويحفظهم من المحارم واللهو واللعب، لأنه مؤتمن ومسؤول عما استرعاه الله ومسألة الاهتمام بالأسرة من القضايا العالمية التي زاد الحديث حولها؛ لا سيما في العصر الحاضر، وبالمقابل قام جمع من الكتاب في بيان المنهج الإسلامي في التربية وإِنَّ التأكيد على أهمية دور الأسرة في رعاية الأولاد، لمن أَجَلِّ الأمور، التي يجب أن تتضافر جهود الآباء والأمهات، وأهل العلم، والدعاة، والتربويين، والإعلاميين.. للمحافظة على بناء الأسرة الصالحة في المجتمع، فهي أمانة أمام الله-تعالى- نحن مسؤولون عنها، فالمرء يُجزى على تأدية الحقوق المتعلقة بأسرته، إِنْ خيرا فخير وإلا غير ذلك، قال تعالى (يأَيُّهَـا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحجارة.

ولقد فطر الله -عز وجل- الناس على حب أولادهم قال تعالى : (المالُ والبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدنيا)  ويبذل الأبوان الغالي والنفيس من أجل تربية أبنائهم وتنشئتهم وتعليمهم، ومسؤولية الوالدين في ذلك كبيرة، فالأبناء أمانة في عنق والديهم، والتركيز على تربية المنزل أولاً، وتربية الأم بالذات في السنوات الأُوَل، فقلوبهم الطاهرة جواهر نفيسة خالية من كل نقش وصورة، وهم قابلون لكل ما ينقش عليها، فإن عُوِّدُوا الخير والمعروف نشأوا عليه، وسُعِدوا في الدنيا والآخرة، وشاركوا في ثواب والديهم، وإن عُوِّدُوا الشر والباطل، شقُوا وهلكُوا، وكان الوِزْرُ في رقبة والديهم، والوالي لهم ويمكن القول بأن للأسرة دوراً كبيراً في رعاية الأولاد - منذ ولادتهم - وفي تشكيل أخلاقهم وسلوكهم، وما أجمل عبارة: "إن وراء كل رجل عظيم أبوين مربيين"، وكما يقول بعض أساتذة علم النفس: "أعطونا السنوات السبع الأولى للأبناء نعطيكم التشكيل الذي سيكون عليه الأبناء".

ولا شك أن للوالِدَيْنِ في إطارِ الأسرة أساليبُ خاصة من القيم والسلوكِ تجَاهَ أبنائهم في المناسباتِ المختلفةِ، ولهذا فإن انحرافاتِ الأسرةِ من أخطرِ الأمورِ التِي تُوَلِّدُ انحرافَ الأبناءِ.

فالتوجيه القيمي يبدأُ في نطاقِ الأسرة أولاً، ثم المسجد والمدرسة والمجتمع؛ فالأسرة هي التي تُكسب الطفلَ قِيَمهُ فيعرِف الحق والباطل، والخير والشر، وَهو يتلقى هذه القيم دون مناقشة في سنيه الأولى، حيث تتحدد عناصر شخصيتهِ، وتتميز ملامح هويته على سلوكه وأخلاقه؛ لذلك فإن مسؤولية عائل الأسرة في تعليم أهله وأولاده القيم الرفيعة، والأخلاق الحسنة، وليس التركيز فقط على السعي من أجل الرزق والطعام والشراب واللباس..، قال الرسول "ص وآله": "ألا كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته"، ولذلك ينبغي تعويد الأولاد منذ صغرهم على بعض الأمور الأساسية، من ذلك:

-الأمر باعتناق العقيدة الصحيحة: أي تعريف الأبناء بأهمية التوحيد، وعرضه عليهم بأسلوب مبسط يناسب عقولهم .
وبعث روح المراقبة لله  تعالى والخوف منه والحث على إقامة الصلاة لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "مروا صبيانكم للصلاة إذا بلغوا سبعاً، واضربوهم عليها إذا بلغوا عشراً، وفرقوا بينهم في المضاجع" ويبقى هناك مخاطر عديدة تواجهها الأسرة، منها ان بعض الآباء والأمهات يناقضون أنفسهم بأنفسهم، فتجدهم يأمرون الأولاد بأمور وهم يخالفونها، وهذه الأمور تسبب تناقضا لدى الأولاد، فالأب الذي يكذب؛ يعلم أبناءه الكذب، وكذلك الأم التي تخدع جارتها بمسمع من بنتها تعلم ابنتها مساوئ الأخلاق.

- وأيضاً الانفصام بين دور الأسرة في الرعاية والتوجيه، ودور المدرسة في التربية والتعليم؛ له آثار سلبية عديدة، ولذا ينبغي مد جسور التعاون بين الأسرة والمدرسة، وإيجاد جَوٍ من الثقة والتعاون في سبيل الرقي بالأولاد قدما نحو البناء والعطاء.

- وأيضاً دور وسائل الإعلام من أكبر المخاطر فتؤكد نتائج الأبحاث والدراسات بما لا يدع مجالاً للشك أن الطفل العربي المسلم يتعرض لمؤثرات خطيرة، وأن شخصيته وهي في مراحل تكوينها تخضع لضغوط سلبية متنوعة.

- وأخيراً خطر الفراغ وعدم الإفادة من الوقت: فينبغي أن يشغل الأبناء في أوقاتهم بالنفع والفائدة، يقول النبي"ص وآله": (نعمتانِ مغبون فيهما كثير من الناس، الصِّحة والفراغ)، فهناك الأعمال التي يسهمون فيها بمساعدة والديهم والبِرِّ بهم، ويمكن تعويدهم حضور مجالس الذكر وحلق العلم، وتلاوة القرآن الكريم، وقراءة قصص الائمة عليهم السلام والصالحين، أو الاستماع إلى الأشرطة النافعة وغير ذلك.





 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج الكفة الراجحة- الحلقة الحادية عشرة - الدورة البرامجية  31.


تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا