كيف تقوّي علاقتك بابنك المراهق؟
2020/01/30
243

إنَّ مرحلة المراهقة مرحلة محيرة سواء للوالدين أو الأبناء، ففيها يخبيء صغارنا الكثير من المشاعر وأكثرها مشاعر متضاربة، فهم في لحظة يضحكون ويتحدثون وينسجمون معكم، وفي لحظة تتبعها تتبنى مشاعرهم الضيق والحزن، ولقد وجد المتخصصون النفسيون أنَّ أكثر حالات تغير المزاج والمعاناة لدى المراهقين قد تتحول إلى حالات اكتئاب؛ لأنَّ الصغار غير قادرين على التعبير عما يعانونه والكبار غير قادرين على اكتشاف ما يعانيه الصغار، فتصبح الحالة أكثر تطوراً مما يستدعي تدخل المعالج المتخصص.

إنَّ محاولة فهم الأبناء في مرحلة المراهقة مهمة ليست بالسهلة، وهذا لأنَّهم أنفسهم قد لا يدركون حقيقة ما يريدون وما يشعرون، بل ويحاولون الانغلاق على أنفسهم في محاولة منهم أن يدخلوا عالم الكبار، فهم من حقهم أن يكون لهم عالمهم الخاص ومكانهم الخاص، ولكن ليكونوا أيضاً تحت المراقبة حتى تتأكدي أنَّهم يمارسون حياتهم ويستغلون حريتهم بالطريقة الصحيحة، ولتربية الأبناء في مرحلة المراهقة يستوجب ما يلي:-

أولاً: طلب العون من الخالق فهو من أهم الوسائل، فادعيه دائماً أن يعينك على حسن تربية الأبناء، وحسن رعايتهم، والصبر على التحديات التي تواجهك معهم، بل ادع لهم دائماً بأن يستطيعوا أن يتعاملوا مع حياتهم ومشاعرهم بالشكل الصحيح، ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ﴾.

ويستمر في الدعاء: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾، وقال: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ﴾.

وسيدنا زكريا(ع) إذ دعا الله تعالى لأبنائه قبل أن يولدوا، فهو يدعو الله أن يرزقه ولداً صالحاً مرضياً عند الله وعند الناس، يتحمل معه أعباء النبوة والدعوة إلى توحيد الخالق سبحانه قائلاً: ﴿فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا، يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً﴾، كما أن نبينا(ص وآله) يكثر من الدعاء لأبناء المسلمين، ويوجه المسلمين إلى الدعاء لأبنائهم حتى قبل أن يولدوا، ومن ثم يأتي دور المحادثة والحوار؛ فالعلاقة مع الأبناء تزداد قوة كلما شعروا بالراحة عند التحدث مع والديهم، ولكن لا بدَّ وأن تعلمي أن فتح قنوات الحوار مع ابنك المراهق يحتاج منك إلى وقت وجهد، وهي ليست مسألة ستتقنيها بين عشية وضحاها، فأنت تحتاجين إلى حوار يومي؛ فهذا يشعرهم بأهميتهم في حياتك، بل يجب أن تكوني مهتمة بأحداثهم اليومية وإنجازاتهم الحياتية، وربَّما ستواجهين بعض الصعوبة ولكن عندما تمارسين الأمومة مع الصداقة ستصلين بالتأكيد لمرحلة كسب ثقة الأبناء.

وتجدر الإشارة إلى أنَّ الموازنة بين الصداقة والأمومة في مرحلة المراهقة مهمة جداً، ولا يصح الأمر باستخدام واحدة منهما فقط، فالصداقة مهمة؛ لأنَّ الابن يحتاج في هذه المرحلة بعض الخصوصية، كما يحتاج إلى أن يمارس حياته ببعض الاستقلالية، والأمومة مهمة؛ لأنَّ الصغير بحاجة للمراقبة والتوجيه، فلا تتخوفي من أن تبدأي أي حوار مع أبنائك، بل لتكن عادة يومية لديك، فأنت بذلك تقدمي أكبر مساعدة ممكن أن يحصل عليها الأبناء.

والحب أيضاً يعد من الوسائل المهمة للتفاهم مع الأبناء في هذا العمر، وخاصة عندما يكونون بحاجة لأن يشعروا بحبك لهم ورعايتك لهم دون شرط أو سبب، فأنت تحبينهم؛ لأنَّهم أبناؤك وليس لأنَّهم ذوو مميزات معينة، بل تحبينهم بمحاسنهم ومساوئهم كما هم، فمن الضروري أن يشعر المراهقون بهذا، وأن يشعروا بأنَّك دائماً متواجدة حولهم، تقدمين لهم العون والمساعدة والاحترام والحماية، ولكن احذري من أن يتحول الحب إلى نقطة ضعفك، فتتنازلي عن متابعتهم وتفقُّد أحوالهم، وتتنازلي عن أي قانون للأسرة بدواعي الحب، فهذا النوع من الحب سيضر أكثر مما ينفع، ولكن تخيَّلي كيف ستكون علاقتك مع أبنائك عندما يقترن الحب بالحوار والاحترام والاتصال الجيد؟

«اتركوني بمفردي»؛ جملة نسمعها كثيراً، فالابن في حاجة لأن يكون بمفرده بعض الوقت، ولكن يجب أن لا تكون هذه الجملة حجة للوالدين للبعد عن أبنائهم، بل من الممكن إعطاؤهم بعض الوقت يقضونه مع أنفسهم، ولكن في الوقت نفسه يجب مشاركتهم والتحدث معهم عن أمور الحياة وأنشطتهم اليومية، واللعب، ومشاهدة التلفاز والقراءة معهم، فهذا ما سيجعلهم يشعرون بالعناية والاهتمام بهم، وهو ما سيشكل فرقاً في حياتهم المستقبلية، فمنح الأبناء الوقت الكافي والتمتع به معهم يُشعرهم بأنَّ وجودهم ليس مشكلة في حياتك، بل هم الأهم، وهو ما سيفتح أبواب الحوار معهم ويقوي علاقتك بهم.

 


 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج على أعتاب المستقبل - الحلقة السادسة - الدورة البرامجية27.

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا