التربية العقلية والعلمية للشباب
2020/01/28
389

  قال رسول الله(ص): «إنَّ العلم حياة القلوب من الجهل، وضياء الأبصار من الظلمة، وقوة الأبدان من الضعف».

وذكر الإمام علي(ع) في إحدى مراسلاته أنَّ: «قيمة كلِّ امرئٍ وقدره؛ معرفته أنَّ الله تبارك وتعالى يحاسب الناس على قدر ما آتاهم من العقول في دار الدنيا».

فالإنسان مخلوق عاقل مفكر، يستطيع أن يدرك الأشياء ويتعلمها بوعي، ويمكنه الاكتساب وتعلم المعارف والعلوم بواسطة إدراكه لعالم الطبيعة عن طريق تأمله في الكون وفيما خلق الله جل وعلا، وبالعلم والمعرفة تتحدد شخصية الإنسان، وتُقَوَّم قيمته، كما تقدَّم في الحديث الذي مرَّ ذكره عن الإمام علي(ع).
وقد تصدرت الأمم والمجتمعات مواقعها في التأريخ، وسادت البشرية، وتزعمت قيادتها عن طريق العلم والمعرفة، اللذين جلبا لها القوة والقدرة العسكرية.
وقد أراد الله تعالى بالعقل الذي وهبه للإنسان أن يصل به إلى العلم والمعرفة والكمال، لينتفع به وينفع غيره وأن يكون رحمةً للناس كافة.
إنَّ الله تبارك وتعالى مدح أهل العلم في قرآنه الكريم، فقال مبيِّناً فضلهم بقوله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَستَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعلَمُونَ إنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ﴾.
ومن هذه الأحاديث والآيات الكريمة نرى أنَّ واجب الوالدين ضمن النشاط الأُسري لهما، ووظيفة المعلم خلال أدائه لواجبه الشريف هو تعريف الأولاد بحياة العلماء وأصحاب المعرفة السابقين الذين أرسوا قواعد العلم والمعرفة والفضيلة ووسائل الحضارة البشرية، ونشروا العلم بمختلف صنوفه أينما حلوا في هذه الدنيا، وأن يتحدَّثوا لهم عن تجاربهم وعلومهم وفضائلهم بأسلوب قصصي شيِّق جميل يستميل رغبة الأولاد، ويثير فيهم حب الإطلاع على المجهول، ويرسخ في أذهانهم ونفوسهم حب العلم والمعرفة والاستطلاع والاستكشاف لنشر العلم والمعرفة بين الناس، ولتوضيح أثر وأهمية العلم والعلماء للأولاد، وأن يغرسوا في أنفسهم مطالعة الصحف والمجلات الإسلامية والكتب النافعة، فيكون ذلك سبباً في توسيع مداركهم وتنمية عقولهم.

أما فيما يخص التربية الدينية والقرآنية للشباب، فإنَّ الله تعالى خلق عباده وأودع فيهم مواهب وقدرات، وخلق لهم السماء والأرض والبحار وسخَّر لهم ما فيها جميعاً، وأغلق على الإنسان نعمه المستفيضة، مما يوجب طاعته والشكر له وعبادته وهو سبحانه القائل: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾.

كما أنَّ العبادة تتخذ أشكالاً منوعة يؤديها كل مخلوق حسب خلقه وقدرته وإدراكه، كما يفهم ذلك من قوله تعالى في الآية المتقدمة «كلٌّ قد عَلِمَ صلاته وتسبيحَه»، والأفضل للمرء أن يتَّجه إلى ربِّه في كلِّ الأمور، يسيرها وعسيرها، فيعود نفسه منذ الصغر على الصلاة وإقامتها في أوقاتها، في السرِّ والعلانية، ليحصل على أكثر قدر ممكن من الثواب باكتساب فضيلتها، وقد حبب الله سبحانه وتعالى للمصلِّين أن يقيموها في أوقاتها الشرعية المخصَّصة لها، ويبين الباري لهم فضل ذلك وأجره، إذ قال عزَّ من قائل: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾.
وقال: «علِّموا صبيانكم الصلاة، وخُذوهُم بها إذا بلغوا الحُلم»[1]، كما أنَّ الإمام زين العابدين(ع) كان يعوِّد الصبيان والشباب على إقامة الصلاة في وقتها؛ وذلك لكسب فضيلتها وأجرها، إضافةً إلى أجر الصلاة ذاتها، وقد روي أنَّه(ع) كان يأمر من عنده من الصبيان بأن يصلُّوا الظهر والعصر في وقت واحد، والمغرب والعشاء في وقت واحد، فقيل له في ذلك، فقال(ع): «هو أخَفُّ عليهم، وأجدر أن يُسارِعوا إليها ولا يضيِّعوها، ولا يناموا عنها، ولا يشتغِلوا».

وكان(ع) لا يأخذهم بغير الصلاة المكتوبة -المفروضة غير المستحبَّة-، ويقول(ع) في هذا المجال: «إذا طاقوا الصلاة فلا تؤخِّروهم عن المكتوبة».
أما في مسألة تلاوة القرآن الكريم وحفظه، فقد ورد عن رسول الله أنَّه قال: «من قرأ القرآن وهو شابٌّ مؤمنٌ اختلط القرآن بلحمه ودمه، وجعله الله عزَّ وجلَّ مع السَّفَرَة الكرام البررة»[2].
وينبغي أن نعي بأنَّ الآباء لو ربُّوا أبناءهم على ذكر الله جلَّ وعلا، وأداء الصلاة في أوقاتها، والمواظبة على تلاوة القرآن الكريم، فسيكون لهم عند الله تعالى أجراً عظيماً وثواباً كريماً.

وأنَّ الرسول الأكرم(ص) قد حثَّ الأبوين على تعليم أبنائهما المواظبة على تلاوة القرآن الكريم، حيث قال(ص): "من قبَّلَ ولَدَهُ كتب الله عزَّ وجلَّ له حسنة، ومن فرَّحه فرَّحه الله يوم القيامة، ومن علَّمه القرآن دُعِيَ بالأبوين، فيُكسَيان حُلَّتين، يضيء من نورهما وجوه أهل الجنة".
 


 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] مستدرك الوسائل 51/ 521.
 
[2] الكافي 2/ 218.

المصدر: برنامج على اعتاب المستقبل -الحلقة الحادية عشرة- الدورة البرامجية 27
 

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا