كيف تتوطد العلاقة بين المراهق وأسرته
2020/01/27
352

في فترة المراهقة الدقيقة تنتاب المراهقين تغيرات أساسية جسمانية ونفسية، ولعل أوَّلها شعور المراهق بالحاجة إلى الحب والقبول من الطرف الآخر، أي أنَّه يرغب أن يحب الآخرين وأن يجد قبولاً لديهم فيحبونه أيضاً، وكذلك الحاجة إلى تقدير الذات فيجد قدراً من الاحترام والاستقلال في الرأي والفعل، وهنا تبرز لدى المراهق الرغبة الملحة في إبداء الرأي بكل حرية، وعدم الخوف من الفعل، وإعطائه الثقة بالنفس لكي يقرر ويخرج من قيد التبعية.

إنَّ المراهق بأمس الحاجة إلى اكتساب خبرات جديدة وتنمية معلوماته وتأكيد ذاته، وهي استجابة طبيعية لحاجته إلى تنمية مداركه ونمو عقله، كما أنَّ المراهق يطمح أن تعامله أسرته معاملة سمحة وتحترم آراءه ورغباته، كما ينتظر من أصدقائه ومدرسته احترامه وتحقيق العدالة في معاملته دون تمييز، ويريد من المدرسة بالذات تنمية قدراته ومعلوماته وتشجيع مواهبه واعطاءه فرصاً حقيقية للتعلم من خلال الأنشطة الاجتماعية والثقافية والرياضية وغيرها.

إنَّ المراهق مهما أظهر رغبته في طلب الإستقلالية بذاته عن الآخرين غير أنَّه يريد -وهذا مهم جداً- أن يرى أمامه القدوة والمثل الأعلى الذي يتطلع إليه، ويقتفي خطواته، ويقلده ليصبح مثله أو أعظم منه.

أسئلة كثيرة مثيرة للجدل حول قدرة الأسرة على احتواء المراهق وتلبية احتياجاته النفسية ومتطلباته الذاتية ومنها: هل نجحت الأسرة في القيام بدورها كما يجب وإنشاء جيل من الشباب خالٍ من العقد والانكسارات النفسية؟

إنَّ الواقع الاجتماعي المرير يرسم طبيعة العلاقة التي تربط الأسرة بأبنائها، إذ يتبين لنا أنَّ الشباب المراهق يعاني ضغوطات نفسية عنيفة جراء عدم قدرة الوالدين على تحقيق أدنى مستوى من التجاوب والانسجام مع أبنائهم لأسباب عدة أهمها: عدم وعي الأسرة بخصوصيات مرحلة المراهقة وخطورتها، فغالباً ما يتجاهل الوالدان التحولات النفسية التي يمر بها المراهق، ويعدونها ضرباً من التقليد الأعمى للغرب، إذ يقارنون ماضيهم عندما كانوا مراهقين، حيث كانوا يعيشون في نظام التبعية المطلقة للأب الذي كانت قراراته لا ترد ومن حاول خرقها عوقب بالجلد واستخدام العنف، إنَّ هذا التصور الخاطئ للآباء يجعلهم يميلون إلى ممارسة هذا النهج مع أبنائهم، مما يولد الشقاق والعناد والعنف، فيلجأ المراهق إلى أحد الطرق التالية:-

1- إعلان المراهق الحرب ضد والديه الذين يتحولان إلى عدوين لدودين، حيث يختار طريق الرفض لكل ما تصدره الأسرة من أوامر، فيحمل المراهق شعار «لا» في كل ما يطلب منه ويأتي بعكسها وإن كانت هذه الأوامر في صالحه، غير أنَّه يرفض تنفيذها؛ لأنَّ المراهق يكره أسلوب ممارسة السلطة عليه وإرغامه بالإكراه على القيام بالفعل.

2- إشعار المراهق بالدونية والتبعية للوالدين في كل صغيرة وكبيرة يجعله يتمرد عليهما، ويعبر عن ذلك بنهج أسلوب العناد في التعامل معهما، فتجده دائم الشجار مع المحيطين به كإخوته مثلاً، ويفضل الانطواء على نفسه ويهمل دروسه وواجباته، ما يشعر الوالدين بالقلق الشديد مخافة ضياع مستقبله، فيتخذون الضرب مسلكاً لتأديبه، لكن العنف أيضاً تقليداً لوالديه، فيكسر أثاث المنزل ويتشاجر مع الجميع.

3- والنوع الثالث من المراهقين هم أكثر الشباب تضرراً من غيرهم؛ لأنَّ ردود أفعالهم تجاه أسلوب الأمر والنهي لا يبدون عليه اعتراضاً، بل يظهرون الطاعة للأسرة ويبطنون في أنفسهم بركاناً من السخط والغضب وعدم الرضا، ويكون شعارهم الانتقام البطيء من الأسرة والمجتمع، ويسهل على هذه الفئة الانفلات من قبضة الرقابة الأسرية عليهم؛ لأنَّهم يمنحونها الثقة العمياء في حسن تصرفاتهم وطاعتهم، لذلك نجد الآباء يصعقون عندما يتم إخبارهم بأنَّ ابنهم المطيع تمَّ القبض عليه متلبساً بالقيام بعمل سيء.

ولعل انفلات المراهق وتصدع العلاقة بينه وبين أسرته أمر يشكل خطورة على حياته وتوازنه النفسي، حيث يعتقد الوالدان أن توفير حاجيات الأبناء من ملبس ومشرب هو غاية الكمال والتمام، متناسين تماماً حاجة المراهق النفسية، فيصبح عرضة للإنحراف والضياع تعبيراً منه عن رفضه لأسرة لا تستحق أن يكون فرداً منها حسب رأيه، فإنَّ طلاق الوالدين بالنسبة للمراهق قرار أناني صادر عن طرفين لا يهتمان بمصيره، ولا يبديان أدنى اهتمام لإشراكه في هذا القرار لذلك لا يبدي المراهقون انشغالهم بانفصال والديهم وما ينجم عن ذلك من تشتت الأسرة، بل يفضلون إرجاء ذلك إلى ما بعد الإنفصال، فيتمردون وينتقمون بنهج شتى الطرق الممكنة لعقاب الوالدين.

إنَّ الأسرة هي المسؤولة الأولى عن مستقبل أبنائها وتربيتهم تربية حسنة، وبدون نهج المرونة مسلكاً واتخاذ الحوار طريقاً لمخاطبة المراهق وإشعاره بالحب ستخسر الأسرة الكثير، فالمراهق يسكن بداخله طفل صغير يحتاج إلى لمسة حنان ولفتة تقدير واهتمام لا غير.
 


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج الأمل الزاهر-الحلقة التاسعة- الدورة البرامجية 34       


تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا