الشخصية المتصلبة
2019/11/22
3012

قد يطلق عليها لفظ آخر وهو" المتزمتة " هذه الشخصية تكون قوية جداً في مواقف كثيرة ولا تتنازل أبداً، ومن هنا أطلق عليها "المتصلبة" ، أي أنها شديدة الصلابة في مواقفها وهي ضد الشخصية المرنة التي تتوافق مع المتطلبات المتعددة للظروف التي ينشأ فيها الحدث، وتعتبر الشخصية المرنة إيجابية تماماً؛ لأن المرونة والانسيابية في كثير من المواقف مطلوبة جداً، والتصلب غير مرفوض بشكل قطعي فبعض المواقف تتطلب تصلباً لا سيما إذا كانت تلك المواقف حقاً ضد باطل، واما التشدد في أكثر أجزاء الحياة ومفاصلها أمر غير صحيح، وهذا ناتج من عدم التفكير الدقيق في التعامل مع الآخرين وضعف الخبرة في عيوب النفس والثقة بما يحيط بالانسان. يأخذ التصلب أو التزمت الواناً عدة، فكل شخص له أشياء يتعصب لها، لكن مثل هذه الشخصية نرى تصلبها لأغلب الأشياء، وتختلف هذه الحالة بين الأشخاص فمنهم من يرى أن التزمت يضيف لشخصيته قيمة ورفعة بين الآخرين، ومنهم من لا يشعر بذلك وآخر يحسب ذلك درعاً لصد أي هجمة تلخبط أفكاره، وبعضهم يعتبرها سلاحاً في مواجهة أي خصم، تنتج هذه التحليلات من التفكير الطويل والعميق غير المقنن، يمكن لنا أن نسميه التفكير الفوضوي، ولا يختص بهذه الفئة إنما يطال فئات كثيرة، وإصابة هؤلاء بهذا التفكير يولد لهم حساسية من أي نقد، فاذا كان الشخص المتزمت ذا شأن ثقافي، كأستاذ مثلاً فإنه يتحاشى أن ينقده أحد ولا يرضى بذلك بأي وجه من الوجوه، تختلف غزارة التصلب والتزمت من شخص لآخر تبعاً لظروف كثيرة يطول الكلام في بيانها، منها العوامل البيئية والاجتماعية وما يحيط بالفرد من ظروف ثقافية وسلوكية وأحياناً البرنامج التعليمي يؤثر أيضاً، فمن كانت طبيعته الاستبداد والتشدد فانه سرعان ما يكشفه الناس ويحذرون من التكلم معه أو حتى انتقاده، وبالتالي يخلق لنفسه أجواء غير صحيحة، واما من يكون متزمتاً في بعض الموضوعات فإنه لا يشعر بتوتر الأجواء حوله الا من يتحدث بالشيء الذي يتعصب له، وغالب أنواع التعصب هو التعصب التقليدي لكنه قابل للتغير لاسيما اذا انتقل الانسان من بيئته التي ولَّدت فيه ذلك التعصب، حيث نراه يرفض أي صحيح ما دام ذلك الصحيح يخالف القواعد الخاطئة التي يتكئ عليها، لربما قانون عرفي أو عشائري يخالف كتاب الله وحكم العترة الاخيار، وهو متمسك به وما ذلك الا تعصب وتزمت وأحكام في الرأي، ويشتد هذا التعصب كلما ارتبط بالجهة أو القومية أو الحزبية، وقد يأخذ الموضوع طابعاً اجتماعياً أو سياسياً اكثر مما يهمنا، وهنالك من يكون تزمته فكرياً فهو لا يقبل باي أفكار
جديدة أو غير جديدة، ويكثر أمثال هؤلاء في مواطن كثيرة من الأرض وهم ينتشرون في كل بلد وكل مؤسسة وكل منظمة، لاسيما بين الديانات والمذاهب، فكل من يعتبر نفسه على الحقيقة لا يستمع للطرف الآخر ولا ينصت له، وهذا لا يعني أن يتخلى الانسان عن عقيدته اذا كانت صحيحة، فان الانسان الحر يبحث عن الحق اينما يكون، لكن أمثاله قليلون في هذه الحياة، والتصلب الفكري أشد انواع التصلب خطراً، فهو لا ينتهي في موسم ما، ولا بتغير البيئة والمجتمع، وكلما كثر خصوم المتزمت ومخالفوه، ازداد تمسكاً برأيه وتصلب أكثر لموقفه، لاسيما اذا ارتبط ذلك بالرجولة والشجاعة واثبات الذات، فتراه مصراً رغم اعترافه في داخله بالخطأ، وهذا هو التعصب الذي يضعف من شخصية الانسان ويهبطها ولا يرقي بها مطلقاً، ومتى ما قفز الانسان من هذه البحيرة المظلمة استطاع ان يهتدي للصواب، فان الاستبداد بالرأي ليس محلاً جيداً لأن يسكن فيه الراقي ولذلك ورد عن أمير المؤمنين(ع): « من استبد برأيه هلك، ومن شاور الرجال شاركها في عقولها» فمن استقفل على ارائه واغلق سمعه عن كلمات الآخرين فلا ريب في دخوله مدرسة الهلاك، وخسارة ما لا يمكن خسارته، واذا بقي هكذا فحتماً سيكتب له الخسران، وليست من صفات العاقل تكرار الاخطاء؛ فإن المؤمن لا يلدغ مرتين.

روابط الاستبداد

ما الذي يجعل الاستبداد ذا قوة في نفس الانسان؟ انها عوامل وروابط كثيرة جداً، أهمها شعور الانسان انه اكبر وافضل من الآخرين، كالأستاذ عندما ينظر الى طلابه، فكلماته ثابتة عندهم، واراؤهم وكلماتهم لا تعني له الشيء الكثير لشعوره بعلو كعبه عليهم، فالمتصلب برأيه لا يرى الآخرين سوى تلاميذ لا يفهمون ما يريد، وقد نجافي الحقيقة اذا قلنا ان جميع المستبدين بآرائهم تفكيرهم واحد، وانما هنالك من يرى صحة اطروحات الآخرين، لكنه لعناده واعتياده على الحالة السارية في نفسه.

خارج التصلب

• إذا كنت في جو معتم ومظلم لا ترى فيه بصيص ضوء، وخرجت منه الى النور فانك ستجد الفرق بين الحالتين، كالسجين الذي قبع بالسجن سنوات طوالاً وبعدها يفرج عنه وينظر الى العالم الجميل الى الخضرة الى لون الشمس الى لون الحياة الى طعم الماء، ذلك شعور الانسان الذي ينتفض من أهوائه وأجواء الظلام الذي يعيشه، التصلب ليس نوراً ولا كمالاً هو كالسجن تماماً.

• لقد فشل كل من تصلب في مواقف كثيرة، ولم يتأمل لدقيقة واحدة لماذا قبع في هذه الظلمة والزنزانة التي جعلته يتهاوى ويسقط من أعين الناس المحترمين؟ اليس من العيب أن يكرر الانسان أخطاءه السابقة، فما موقع العقل عند الانسان؟

• من يبحث عن النجاح يسارع في التخلص عن أي أمر يشكل عائقاً امام نجاحه، فالتزمت عائق أمام نجاح الانسان في هذه الحياة، ويستطيع كل شخص أن يجد أثر ذلك بكل جلاء ووضوح.

• إعادة قراءة الذات لمرات عدة، وتشكيل افواج داخل النفس لرفع العزيمة للتخلص من أي مشكلة تطرأ، وتحشيد القوى والروافع المعنوية، فإن الانسان في بعض الاحيان يشعر بالوحدانية، وبعضهم يقوى عنده الشعور بالغربة، وفقدان المؤنس والمواسي له في طريقه، فافضل طريق له في هذه المرحلة أن يتمسك بالسماء فإنها القدرة الجبارة التي يقوى بها كل ضعيف، فالله  خير مؤنس للإنسان، فاذا شعرت بالغربة توجه اليه وردد في نفسك يا رب.. ستتشكل في نفسك همهمات تأخذك نحو عالم الامان، فتخشع وتتواضع عندها تعرف قيمة الانسان القابع في ظلامة الجهل والعناد.

• خسران المتصلب لأشياء كثيرة بسبب عناده وعدم تقبله لأي فكرة، فلم يفلح في شيء، واذا لم يتدارك حاله ويتخلص من هذه المشكلة فلن يصل الى أي نجاح، قد يحسب نفسه في كثير من الأحيان أنه نجح ووصل، لكنه ليس كذلك.

• أفضل علاج يساعد على التخلص من هذه الصفة أن يعرف الانسان مساوئها ويتأمل حاله جيداً.






ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سلسلة الشخصية الناجحة(اختر شخصيتك) تأليف: حسن علي الجوادي/ إصدارات قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة
 ص96-101

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا