كيفية التعامل مع غضب المراهق
2020/03/16
217

إذا تساءلنا هل تظهر موجات الغضب عند المراهقين أكثر من غيرهم؟ ولماذا يتم التعبير عنها بالانفعالات الشديدة أو المباشرة كالمصادمة والمضاربة والتحدي والتراشق اللفظي والاستعراض الجسمي؟ ولماذا يتسرع المراهق في اتخاذ القرارات؟ ولماذا العجلة والسرعة في ممارسة الأعمال واقتناء الحاجات وتنفيذ المهمات؟ أسئلة كثيرة جدّاً تلك التي تتناول انفعالات المراهقين ويمكن تلخيص أبرز المعالم في انفعالات المراهقة، وما تتميز به عن غيرها من المراحل التي يمر بها الفرد هي غلبة الخوف والقلق، فالمراهق غالباً يخاف على ذاته ومستقبله ويخشى من احتمالات الفشل والنجاح  ويشعر بعدم الاستقرار، نظراً لعدم الثبات على شيء ولفقد الرؤية الواضحة وللغموض الذي يكتنف طريقه الجديد عليه.

فضلاً عن ذلك فالمراهق بسبب تكامله العضوي والعقلي يملك ما يملكه البار من أنواع الانفعالات، ويدركه ما يدرك الكبار من الاستثارة العاطفية والشعورية فهو يحب ويكره ويهدأ ويغضب، ويتأنى ويعجل، ويجرؤ ويخاف، وهكذا صفات الرحمة، والشفقة، والشجاعة، والأنفة، والإخلاص، والمودة، والعطف، والبر... إلخ لكن المراهق تنقصه الخبرة والتجربة، ويستولي عليه التغير السريع المتتابع، فهو من حيث النمو والنضج يعيش في أوضاع وسمات جديدة عليه كلّ الجدة، ومن حيث البيئة والاكتساب بعد لم تعركه التجارب، ولم تصقله الخبرة، فبضاعته في هذا الشأن قليلة مزجاة، وزاده محدود جدّاً إن كان له من زاد، ومن هنا فإن من أصعب الأشياء عليه أن يضع الشيء في موضعه، أو أن يعطي كلّ ذي حق حقه، أو أن يمسك إذا اقتضى الحال الإمساك، ويطلق إذا اقتضى الحال الإطلاق، وشأنه كمن يملك الوسيلة والمادة لكنه لا يجيد استعمالهما بحسب المقتضى والحال، ولهذا فإنّ المراهق لا يستقر في انفعالاته، ولا يكون واقعياً في التعبير عنها؛ فهو يغضب كثيراً،وسريعاً، ولأسباب بسيطة.

أخيتي الكريمة قد لا يستطيع المراهق التحكم في المظاهر الخارجية لحالته الانفعالية فقد يلقى أو يحطم ما في يده وقد يمزق ثيابه ويتلف مقتنياته وقد يضرب ويسب ويشتم ويهدد وهو عندما يرغب في شيء يسرع إليه ويسعى حثيثاً في طلبه ويتعجل في اتخاذ القرارات الخطيرة بل هو إذا أحب أسرف وبالغ يتعلق بمن يحب والمراهق إذا أُعْجِبَ بشخص أو جماعة أو نموذج سعي إليه وجمع الناس عليه وبذل في سبيله وبالغ في مدحه وهنا يمكن أن نستثمر تربية انفعالات المراهق ووضعها في الاتجاه الصحيح بحيث يمكن أن تمهد لبناء شاب ذي عواطف فياضة، متفاعلة مع الحياة، متجهة للخير والإصلاح، مؤثرة في علاقته بالأُمّة في شتى مستوياتها.

أخيتي العزيزة كما يتسم المراهق بالذاتية ونعنى إعجاب المراهق بنفسه، واعتداده بها، والاعتقاد بأنّه محط أنظار الناس، وبؤرة اهتمامهم. ويسيطر على بعض المراهقين الاعتقاد بأنّ الناس ينظرون إليهم، كما ينظرون هم إلى أنفسهم، فالمنظار الذي ينظر به إلى نفسه هو المنظار الذي يجب أن ينظر منه الآخرون إليه، أو هكذا يجب أيكون ولوجود هذه الظاهرة في المراهَقة نجد المراهق ذا حساسية مرهفة لنقد الآخرين، يتألم من ذلك، ويتوجع، وقد يطوي حسراته وآلامه تلك عن الآخرين، وهذه الحساسية للنقد والرهافة في مواجهة مشاعر الآخرين إنما نتجت بسبب ما يشعر به من خسارة، وخيبة أمل، فيما كان يعتقده عن رأي الآخرين فيه، حيث يجد الذم عوضاً عن المديح، وذكر مثالبة بدلاً من مزاياه، وتسفيه حاله بدلاً من الأإشادة بها، وتشويه صورته وسيماه بدلاً من تلميعها والثناء عليها ولهذا السبب يصير المراهق في بعض الأحيان ناقماً على والديه ناقماً على الناس ناقماً على مجتمعه، وتبدأ العبارات تترى على لسانه، مثل: "لا أحد يفهمي"، "ما يدريكم عني؟ "، "أنا أفْهَم منكم"، " أنا أعْرَف بحالي"، "أريد أن لا أجلس إلا مع أصحابي؛ فهم الذين يفهمونني"، وتبدأ موجات الغضب والاشمئزاز من مجتمع الكبار، ويشرع المراهق في الممارسات الدالة على هروبه من قضاء الوقت مع والديه، ومن الجلوس في منتديات الكبار، ومناسباتهم، والضيق والتبرم من تلك المجالس.

 وهذه الذاتية تعد من الاعتبارات المهمة التي يجب أن تلحَظ عند التعامل مع المراهق، وتربيته، أو عند حلِّ مشكلاته، ومعالجة انحرافاته، فقد تكون هي منبع الحساسية والرهافة أو الرفض والمواجهة أو الخيبة والإحباط ومن ثمّ العزلة والانطواء، أو الارتماء في أحضان رفقة السوء، والانقطاع إليهم، وقد تكون هي أيضاً سبب الغرور والعجب، والمثالية، أو الطموح الزائد، أو الإغراق في العناية بشكله وهندامه وهنا يجب الانتباه من قبل الأبوين الكريمين لهذه المسائل جيدا ويعرفوا كيفية التعامل معها في مدح ولدهم والثناء عليه مع تقديم النصح لهم بطريقة غير مباشرة.

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: رحيق العفاف - الحلقة الثانية عشرة- الدورة الإذاعية 36.


تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا