كيف نستثمر مرحلة الشباب؟
2020/03/14
241

إذا كان أبناء الأمة يمتلكون إرادة قوية تتعالى وتقاوم الإغراءات.. فإن الأمة ستكون شامخة قادرة على مواجهة الأعداء ولن تخضع للظلم بالاستعباد، والأمة إنما تتكون من مجموع الأفراد، فإن كان أفراد الأمة مائعين خانعين منقادين للإغراءات، فإن موقف الأمة وتعاملها مع الأعداء سيكون مائعاً خانعاً، أما إذا كان أفراد الأمة يمتلكون صلابة الإرادة ، وقوة النفس ، والقدرة على مقاومة الضغوط، فإن الأمة بأبنائها تستطيع المجابهة والتحدي، والوقوف بشجاعة ضد  الأعداء.

ومرحلة الشباب فرصة جيدة ثمينة لتنمية الإرادة وتقويتها لدى أجيال الأمة لماذا؟

لأن إرادة الإنسان لا تتقوى بمجرد الوعظ والإرشاد ، وإنما بممارسة التحدي، أو مقاومة الإغراء والضغوط فالشخص الذي يجد نفسه أمام إغراءات قوية وتحت ضغط  النزعات عارمة، يمكنه أن يتربى عملياً على الصلابة والصمود، وأن ينمي إرادته بالممارسة الفعلية، وذلك حينما يتسامى على الإغراءات ويرفض الخضوع لضغط  النزعات، والشباب في مرحلة الشباب يعيش فترة التجربة والتدريب والامتحان لإرادته وملكاته فإذا توفر له التوجيه السليم، والوعي الإنساني الصحيح، والأجواء الصالحة استطاع أن يجتاز هذه التجربة بنجاح، ويتخرج من هذا الامتحان بإرادة قوية ونفسية صلبة.

إن الشاب يعاني كثيراً من ضغط النزعات، ويتعرض لإغراءات مرهقة قوية، ولكنه إذا تمكن من السيطرة على نفسه، والحفاظ على عرضه.. وقاوم كل تلك الإغراءات وتحدى ضغوط النزعات الكبيرة الجامحة.. وخاصة في مجتمعات فيها ميوعة وفساد إذا تمكن الشاب من ذلك فهذا يعني امتلاكه لإرادة فولاذية، ونفس صامدة، تستطيع الأمة أن تعقد عليه آمال المستقبل.

وتطلق الأحاديث الشريفة على عزوف الشباب عن المغريات والمحرمات مصطلح التوبة والتي عندما تبرز روعتها في عفة الشباب واستقامتهم، وهذه جملة من تلك الأحاديث المباركة: يقول الرسول (ص وآله): " ما من شيء أحب إلى الله من شاب تائب ".

إذن .. لماذا؟  لأن الشاب بإقلاعه عن المعاصي، وضبطه نزعاته يمارس تحدياً قوياً، يربي نفسه على الصلابة والصمود، وحينما ندرس حياة عظماء التاريخ البشري، نجد في أغلبهم أن مرحلة الشباب كان لها دور بارز في صقل نفسياتهم وتوجيههم باتجاه العظمة والكمال وذلك لأنهم استطاعوا التمسك بخط الفضيلة والالتزام، ورفضوا الانحدار إلى هوة النزعات والرغبات وسحيق الانحراف، رغم عنف الغريزة وتوفر الأجواء المساعدة على الفساد.

وسنذكر بعض النماذج من حياة العظماء الذين استفادوا من مرحلة الشباب في تنمية إرادتهم، وتقوية صمودهم النفسي أمام و الإغراءات.. وبذلك أهلوا أنفسهم لتقمص العظمة وارتقاء سلم المجد والكمال، ومن العظماء الذين استفادوا من مرحلة شبابهم في تنمية الإرادة:

1-  نبي الله يوسف بن يعقوب (عليه السلام) وقد افتقد حنان الوالدين وعطفهما، منذ نعومة أظفاره، فبعد أن افتقد أمه تآمر عليه أخوته والقوه في غيابة الجب، ثم اشترته إحدى القوافل المصرية بثمن بخس، دراهم معدودة، وشاءت له الأقدار أن يعيش مرحلة الشباب في بيت عزيز مصر، ومع زوجته زليخا والتي أغرمت بجمال يوسف المشهور واستقر عشقه في قلبها، وكان البيت خالياً من أي مزاحم، والأجواء مهيأة لتنفيذ خطة الشيطان تصور نفسك أيها الشاب، في موقع نبي الله يوسف(عليه السلام)، وفي مثل هذه الأجواء المشجعة على الانحراف، فماذا سيكون تصرفك ودورك؟

في الواقع فإن أكثر شبابنا يتعرضون للإغراءات وعليهم أن يتخذوا من يوسف قدوة وأسوة، يقتدون به في تحديه لتلك الإغراءات ومجابهته لتلك الأجواء فكيف كان موقفه هناك؟

إن القرآن الكريم ببلاغته العظيمة وأسلوبه السماوي، يقص علينا جانبا من تلك الظروف الخطيرة التي عاشها نبي الله يوسف (عليه السلام)، وفي منزل عزيز مصر، يقول تعالى: (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ * وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) وقال عز وجل: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)، ويستمر القرآن في سرد بعض تفاصيل القصة ، إلى أن يقول عن لسان زليخا زوجة عزيز مصر: (لَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ) وقال سبحانه: (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) وهكذا طلب يوسف من الله، أن يعينه على مقاومة أجواء الانحراف، واستجاب الله تعالى له وتغلب على تلك الظروف، ولكنه تحمل قسوة السجن الطويل، بإرادة قوية ونفسية شجاعة . وهكذا يجب أن يكون الشاب الصالح.

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: سني الشباب - الحلقة الحادية عشرة- الدورة البرامجية 44.

 

 

 

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا