التواصل مع الأجداد
2020/03/16
996

ما أجمل أن يكون لدى الإنسان جدة أو جد في البيت، وما أطيب الجلوس عندهم، فيحظى بتراتيل ملائكية تحاكي لمسات أناملهم البريئة فروة الرأس، وكم هو رائع أنك تجلس عند جدك فيقوم بسرد الحكايات لك، أو ما مر به من مواقف في مسير حياته الطويلة، وكأنه موسوعة في التراث الشعبي لموطنه الذي ينتمي إليه.

فمن منا يستطيع أن ينكر حاجتنا لهما في مرحلة الطفولة، وكيف كنا نلوذ بهما بعد أي مشكلة ما في البيت، إنهما كانا يشكلان ملاذاً آمنا دائماً لنا، فالجدة بما تملكه من حضن دافئ، وأيادٍ لطيفة، وعطف لا متناهي، ورأفة ورقة اتجاهنا، كانت تشكل عامل جذب كبير نحوها، حتى إذا كانت تغيب عن البيت يوماً لزيارة قريب تنتابنا غربة موحشة.

فقد زارني صديق عزيز وأنا أكتب هذه الكلمات على شاشة الكمبيوتر، وأخذ يقرأ بما كتبته عن الأجداد، فقال لي بعد أن تفاعل مع الموضوع: صدقت يا أخي فإن لي جدة عندما تذهب لزيارة أقرباء لها وتغيب أكثر من يوم، فإنني أشعر بغربة خانقة، رغم أنني لا أسكن معها في بيت واحد، بل في بيت مجاور لبيت والدي الذي تسكن فيه الجدة، فأقوم بالاتصال معها عبر الهاتف، وأتوسل بها بأن تعجل في الرجوع إلينا.

فحري بنا أحبتي قارئي هذه الكلمات بحق الجدة والجد أن نؤدي لهما عندما نكبر أفضل الخدمات، وأفضل التعامل، وأن لا نشعرهما أبداً بأنهما عالة علينا أو أنهما ثقل كبير لا نتحمله؛ لأننا سوف ننال غضب الله (عز وجل)، وعلينا أن نتذكر أن ما نقوم به من مداراة لهم في الكبر، فإن الله تعالى يجازينا على ذلك في الدنيا قبل الآخرة جزاءً عظيماً لا يقاس أبداً بما بذلناه من مال أو جهد أو وقت.

ومما يؤلم القلب ويدميه ما نجده عند بعض العوائل من تقصير تجاه أجدادهم وكأنهم غرباء قد حلّوا عليهم، زهدوا بهم في الكبر بعد أن لاذوا بهم في الصغر، علينا أن نتذكر بأنه سيأتي اليوم الذي نأخذ فيه دورهم، ونكون مثلهم وسنُعامل كما عاملنا من كان قبلنا، فهذه سنة الله تعالى في خلقه ولا تبديل لها ولا تحويلا.
وهناك من يعتقد أن الجد والجدة عندما لا يستطيعان أن يقدما شيئاً بفعل تقدمهما بالعمر فإنهما أصبحا عالة عليهم، وهذا خطأ كبير ووهم جانبَ الحق والحقيقة، فهم لعمري هبة ربانية عظيمة لمن يحسن اغتنامها فهم سبب ننال به رضا الله (عز وجل) ورحمته، لذلك قال الإمام علي (عليه السلام) كما ورد في نهج البلاغة: (ارحموا ضعفاءكم، فالرحمة لهم سبب رحمة الله لكم)، بل إن وجودهم في البيت ما هو إلّا بركة وخير ورحمة، فكم هو جميل أن يكون لديك كهل عجوز يداوم على ذكر الحق سبحانه، ويسبحه آناء الليل وأطراف النهار، فيضفي بذلك بهجة وطمأنينة وراحة نفسية على ذلك المنزل والساكنين فيه.. لذا علينا وعليكم اغتنام الفرصة التي لا تعوض، وقبل فوات الأوان، قبل أن يرتحلوا إلى الآخرة، وقبل أن تأتينا الحسرة التي لو حلت فإنها لا تدع طعماً ولا هناءً في الحياة.











ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة صدى الروضتين/ العدد 280 - صحيفة عامة مستقلة نصف شهرية تصدر عن قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة- موفق الرحال.

 

 


تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا