وقفة في دُور المسنين
2020/01/20
851

هو اليوم نفسه الذي مر بالأمس دون أن تشرق نظرات عيونهم لرؤية العباءات السوداء التي تقترب من بعيد حامله أبناءهم وبناتهم ليعودوا بهم إلى دفء البيت وكنف العائلة، ليرمي الحزن أشلائه الشائغة على مخده التنعم الأخيرة..

وإذا ما اقتربت لدموعهم البيضاء كما قلوبهم الناصعة لتقزمت فيك قامات أبناءهم لتصغر حتى تتلاشى في مواجهة العاطفة التي حكمت عليها دون ذكر السبب أن يطأ كل واحد منهم وسادته كل مساء دون أحلام جميلة دون كلمة مثل "أبي أو أمي" سيعاود المثول أمامهم..

لماذا لا يأتون لزيارتي؟

هكذا يرمون أسئلتهم مستمعتي ليقف الحنين ممتنا بداخلهم إحداهم يلبس كل ما هو جديد في كل مناسبة وينتظر ولا أحد يأتي..وتمر الأيام بهم والنفس في عزلة سوى من الدعاء، إنها قوارير مهشمة بداخل كل منهم حكاية تضج بالمرارة والضعف تأخذهم إلى عالم لا بدء فيه ولا نهاية..

إنها بوابة دار العجزة التي تضيف بمشيئة الأيادي الباردة في كل مرة رقما جديدا في عالم المسنين ودعاء شجي يرمي برأسه على سجادة الصلاة مع دمعه بيضاء مقيدة..لتكبر تلك الملامح ويبقى القلب في وحشته يقلب صفحات الماضي جارا سحب الملح والأماني جنبا لجنب إلى حضرة البقاء..

عودوا إليهم..هي تلك الرسالة..

عودوا إليهم.. من أجل ابتسامه واحدة لا أخيرة..

نعم.. سعادة خرساء تبكي من حولها، وتصارع كما رجل مهزوم من دوران الأيام، إنها التجاعيد التي استقرت بزخم الأيام الماضية متلهفة تقف كما وردات العمر الأخيرة..

إنها التجاعيد التي جعلت من البعض يعتقد بأن أصحابها لا وجود لهم بالحياة وبأن عليهم أن يبقوا في مكان ما أكثر اتساعا لانتظار الموت والبقاء على قيد زيارة واحدة لم تعد تتكرر بينما المناسبات تطل بقدميها دون أن تحجز لهم ابتسامه واحده..والليالي البيض تفرغ وحشتها دون استئذان فمازالت نظراتهم متبوعة بالهيبة.. تتسابق الهمسات ما بينهم مسترجعين ذكريات الأمس… لتنامي أيتها الحقيقة خجلة ويزداد في ملفات مراكز المسنين العدد الرقمي ..

ان الإنسان بمراحل مختلفة في حياته، فيبدأ بمرحلة الصغر وفيها يكون النموّ لجميع أعضاء الجسم ونموّ العقل والفكر، ثمّ يدخل في مرحلة الشباب ومرحلة التغييرات الفسيولوجيّة والنفسية المتسارعة في الجسم والفكر، ثمّ مرحلة النضوج الجسمي واكتمال نمو العظام والطول، ومرحلة النمو الفكري والعقلي والنضوج فيهما والتي في الغالب تكون بعد عمر الأربعين، ثمّ يصل لمرحلة الشيخوخة والكبر، وتعتبر من أخطر المراحل وأهمّها في عمر الإنسان، وتلزمها رعاية خاصة.
ايتها الفضليات ان العناية بكبار السن واجب أساسي ورئيسي على مختلف الصعد والنواحي، فالكبار في السن هم بركة هذه الحياة، وهم من أفنوا زهرة شبابهم في رعاية أبنائهم، وتربية جيل كامل، وغرس القيم الحميدة في نفوسهم، وهم من حملوا على كاهلهم مسؤولية النهضة والبناء، وهم من آثروا التضحية بما يحبونه لصالح أبنائهم وفلذات أكبادهم، ولكن بعض الأبناء ينسون للأسف كل ما قدمه الأبوان لهم، هم ينسون ذلك ظناً منهم أن الأبوين عندما يكبران يصيران عالة عليه وعلى تطوره في الحياة، ولا يعرف هذا المسكين أن الله تعالى قد يوفقه ويرفع من شأنه ببركة والديه.

إنّ دور المسنين لم تخلق فقط لأولئك الآباء الذين أراد أبناؤهم التخلّص منهم، إنّما وجدت دور المسنين من أجل الكبار في السن الذين لا يجدون مأوىً يلجأون إليه بسبب أنّهم فقدوا كلّ من لهم صلة به من قريب أو من بعيد، ومن هنا فإنّ الدور الذي تلعبه دور المسنين عظيم جداً، فهم يقومون بأكثر الأعمال التي يحبّها الله تعالى.

تقدم دور رعاية المسنين خدمات عديدة للمسنين منها ما هو صحي، ومنها ما هو نفسي، ومنها ما هو اجتماعي، وتتكامل هذه الخدمات جميعها لمصلحة الكبير في السن، فمن أشدّ المشاعر المؤلمة التي يشعر بها الكبار في السن والتي لا يستطيع من حولهم أن يشعروا بها إلى فئة قليلة جداً إحساس الكبير في السن أنه قد موجود في زمان غير زمانه، لهذا فلم يعد له قيمة تذكر، فبعد أن عاش زمانه بين من يحبّهم وبين من نشأ بينهم يجد نفسه فجأة محاط بوجوه غريبة جداً لا يعرفها، وهنا تكمن مسؤولية من يتعاملون مع هذه الفئة العمرية سواء كانوا في دور المسنين، أم الأبناء.

ان الرعاية الصحية التي تقدم للمسنين تشمل كافّة جوانبهم الصحية، فالكبار في السن عرضة للإصابة بأمراض أكثر بسبب ضعف أجسامهم، ومن هنا فإن طبيعة الرعاية الصحية التي تقدم لهذه الفئة يجب أن تكون مميزة جداً.

أما الرعاية النفسية التي يجب أن تقدم لهذه الفئة مستمعتي فيجب أن تتركز في الدرجة الأولى على عدم إشعارهم بغربتهم، ويكون ذلك بتوفير وسائل ترفيهية لهم كل بحسب هوايته، بالإضافة إلى الاستماع لهم دون استهزاء بما يقولونه، ومحاولة التقريب بينهم وبين الأجيال الأخرى من خلال تنظيم زيارات دورية لهم، أما على المستوى الاجتماعي ايتها الاخوات فيجب أن يتم تعزيز العلاقات بينهم وبين الأشخاص الآخرين في الدار نفسها، فهذا الأمر مما يساعد على تحسين حياة المسن في الدار.

ونجد أن الكثير من العائلات يشعرون بالذنب لوضعها أحد الأقارب المسنين في دار للرعاية. وفي معظم الحالات، يقبلون بهذا العمل بوصفه حلاً أخيرًا فقط، ويفعلون ذلك عندما تتفاقم مشاكل الشخص الصحية بشكل حاد. وتصبح موارد العائلة الاجتماعية، والمالية مرهقة بحيث لا تسمح بإبقاء القريب في المنزل.

فيعاني العديد من المسنين من الضغط النفسي عندما يتحتم عليهم التأقلم مع بيئة دار الرعاية غير المألوفة. ويعتبرون أنها الخطوة الأخيرة قبل الموت. قد يؤدي ضغط الانتقال إلى الاكتئاب، وزيادة المشاكل الصحية، وأحيانًا، الموت.

وهناك مستمعتي عدة طرق للتقليل من الضغط النفسي على الأشخاص المسنين، فمثلا إشراكهم في قرار نقلهم لإحدى دور الرعاية، وفي اختيار الدار. ويجب أن تسمح المؤسسة للمرضى بالاحتفاظ بأمتعتهم الشخصية في غرفهم الجديدة. ومما يساعد أيضًا اختيار دار رعاية حيث يكون طاقمها جيد التدريب ومهتم بالمرضى.

إذن نذكر بضرورة الاهتمام بكبار السن وعدم اهمالهم وتركهم للوحدة والاكتئاب. فهؤلاء آباءنا وأجدادنا وقريباً سنحل محلهم وننتظر من أبناءنا ما انتظروه هم منا، فلنكن رحماء عليهم لتشملنا رحمة الله وعطفه يوم نصل الى أرذل العمر.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج الخريف الأخضر- الحلقة السابعة- الدورة البرامجية 44


تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا