قضية صراع الأجيال
2019/12/15
12328

لعل من أهم القضايا الشائكة التي ذاع صيتها في السنوات العشر الأخيرة قضية صراع الأجيال، إلا أنَّ هذا الصراع زاد عن حدِّه في الآونة الأخيرة مع انتشار وسائل الإعلام، إضافةً للتطور والانفتاح الذي أصاب مجتمعنا.

وبرزت المشكلة هنا بين جيل من الآباء المحافظين المتمسكين بالموروث والتقاليد القديمة التي نشأوا عليها وجيل من الشباب، نشأ في ظل انفتاح اجتماعي وثقافي واسع، وبالتالي رفض كل ما هو تقليدي وموروث، غير أنَّ المشكلة لا تقف عند حدِّ الاختلاف بل تتعدى ذلك إلى مستوى الصراع، حيث يتهم جيل الآباء جيل الأبناء بالسطحية في ممارسة عادات اجتماعية في حين يتَّهم هذا الأخير سابقه بتمسكه بثقافة قديمة متخلفة وعدم قدرته على التعايش مع المتغيرات التي تعتري المجتمع.

وتنسحب هذه القضية على جميع المراحل التي يمر بها الشاب عبر مسيرته الحياتية، لتشكل ثنائيات متناقضة متمثلة بـ «أب وابن وأستاذ وطالب».
وإنَّ ظاهرة صراع الأجيال قديمة جداً، فقد عرفها الإنسان عبر تأريخه الطويل بكل جوانبها السلبية والإيجابية، وتبرز هذه الظاهرة بشكل جلي في الحقب التي تكون فيها تغيرات الأنماط الثقافية والاجتماعية حادة، وتخلق ردات فعل كثيرة حتى تكاد تكون ذاتية في بعض الأحيان.
إنَّ الصراع يبرز بشكل أساسي في العلاقات بين الآباء والأبناء داخل الأسرة التي تشكل البنية الأساسية للمجتمع، حيث أنَّ لكل من الجيلين منطلقاته الفكرية التي تحدد نظرته إلى الحياة، فالخلاف هنا هو خلاف طبيعي في وجهة النظر ضمن سياق التطور الاجتماعي العام شريطة أن لا يتحول إلى نوع من الصراع والتنافر.

وإنَّ مشكلة اختلاف الآراء بين الأجيال أزلية في كلِّ العصور، فالتمسك بالعادات والتقاليد يتناقض من حين لآخر والحفاظ عليها أمرٌ في غاية الصعوبة نظراً للتطورات المتلاحقة التي يشهدها العالم خلال هذه الفترة، وهي نقطة نقاش متتالية بين الشباب وكبار السِّن وغالباً ما تشهد اختلافات.
إنَّ المجتمعات تمر بمرحلة انتقالية صعبة تتشكل فيها أفكار واتجاهات الشباب للانتقال من طور القيود وتلقي الأوامر والتعليمات إلى طور الحريات والقدرة على التعبير، نتيجة التطور السريع في جميع مجالات الحياة، والذي لن يستطيع الآباء الوقوف دون تقدم مسيرته رغم محاولاتهم إرغام أبنائهم على العيش في ظلِّ ثقافة محافظة؛ لاعتقادهم بأنَّ هذا التطور في الفكر والاتجاه يقود الشباب إلى الهاوية.

إنَّ جيل الشباب اليوم يتصف بمستوى طموح أعلى بكثير من مستوى إمكاناته؛ لذلك نجده دائماً يحاول التمرد على محيطه الأسري وعلى تقاليده وثقافته الاجتماعية، ومن جانب آخر فإنَّ جيل اليوم أصبح جيلاً اتصالياً دون أن يكون تواصلياً، فثورة الاتصالات التي نواجهها عزَّزت الفردية لدى هذا الجيل، إذ نلاحظ أنَّ أدوات التقنية أصبحت ذات استخدام فردي، حيث يتعامل الإنسان يومياً مع كم هائل من المعلومات دون الحاجة إلى الاتصال بالناس لاستقاء هذه المعلومات.
كما نرى أنَّ جيل اليوم لاقى من التطور والحداثة ما لم يلاقه أي جيل آخر؛ لذلك نجده أكثر مرونة من الأجيال السابقة، وذلك بسبب اكتسابه ثقافة واسعة وفرتها وسائل الاتصال الحديثة، والسرعة في الحصول على المعلومات أو الأحداث ساعة وقوعها، وهذه الأمور لم تكن متاحة فيما مضى؛ لذلك نجد الأجيال السابقة أقل مرونة في التعامل مع الآخر والتعلم على السواء لممارسة دورهم في تربية الجيل الحالي على الأخلاق التي من دونها لا يمكن بناء مجتمع سليم.
إنَّ مرحلة الشباب مرحلة عمرية مفصلية في حياة الإنسان؛ إذ تتفتح فيها أمامه آفاق وأبعاد شاسعة يرسم من خلالها مساره، ويتخذ على أثرها دربه، وهذه المرحلة الدقيقة المهمة محطة أساسية في تكوين الشخصية بمختلف جوانبها وهي مرحلة انتقالية صعبة، فمن الطفولة والاتكالية على الأسرة ثم إلى الرجولة والشعور بالمسؤولية ومن الإطار الأُسري الخاص إلى الذوبان في إطار المجتمع العام.

وعندما نتحدث عن الشباب، فإنَّنا نعني بلا شك تلك التحولات الجذرية الكثيرة التي تصاحب الفرد في تلك السِّن الحرجة، ولعلَّ أبرزها توسُّع دائرة المدركات العقلية، والانفتاح اللامحدود على العالم، ولا نغفل بطبيعة الحال النمو الجسماني والتبدّلات الطارئة على الأعضاء البدنية بما تحمله من تأثيرات ملحوظة على الجوانب العاطفية والغريزية.

من هنا اهتمَّ الإسلام المحمدي العظيم في بناء شخصية الشباب على أكمل وجه، فأفرد له منهجاً تربوياً أساسه السمو الديني والأخلاقي ومعياره الاتزان الذاتي وغايته الشخصية الفاضلة السوية التي تشترك بفاعلية في تحقيق الرفعة والتقدم والمجد للمجتمع الإسلامي.

ومن أهم ما يلزم على المؤسسات الإسلامية والمربي الواعي الاهتمام بالشباب، فإنَّهم على ما ذكره بعض علماء الاجتماع ثلث المجتمع غالباً، ونشاطهم أكثر من الثلث لحيويتهم واندفاعهم المتزايد، وترك هؤلاء يؤدي إلى الكوارث المتعددة منها:-

1- ضياع هذه الطاقة الهائلة بنفسها وفي الحديث الشريف قال(ص وآله): «لاتزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأَل عن أربعٍ: عن عمره فيمَ أفناه؟ وشبابه فيمَ أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟ وعن حبِّنا أهل البيت».

2- عدم استفادة المجتمع من مواهبهم وطاقاتهم الكامنة فيهم.

3- انحرافهم إلى الهدم بالفساد بسبب الأعمال غير الأخلاقية ونحوها مما يعقب الأعراض والأمراض.

لذا فمن الواجب الاهتمام بشأن الشباب من البنين والبنات اهتماماً متزايداً بتوفير حاجاتهم، وتوجيه طاقاتهم إلى حيث صلاح أنفسهم وبلادهم وصلاح مجتمعهم، وذلك ليس بالشيء اليسير، بل يحتاج إلى عشرات المناهج البناءة وانعقاد المؤتمرات الاستثمارية وما إلى ذلك.
 

 

 

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر:  برنامج على أعتاب المستقبل - الحلقة العاشرة- الدورة البرامجية 27

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا