مخاطر ثقافة ردع الأطفال
2020-03-05 05:40:21
158

قد يتساءل الآباء عن المرحلة العمرية المناسبة لصقل شخصية الإنسان وزرع القيم الجيدة في ذاكرته ، حتى يستقيم سلوكه على وفق تلك القيم التي تم غرسها فيه، ولعل هذا الأمر يقع في إطار التربية السليمة، ويحتاج الآباء الى فهم دقيق لكثير من الأمور النفسية التي تتعلق بعالم الأطفال.

ومن بين أهم الأساليب التربوية الناجحة أسلوب الأمل الدائم من خلال فهم مواهب الطفل ورغباته وتطويرها عن طريق توفير المتطلبات اللازمة لذلك، فشعور الأطفال بالاهتمام يعد من الركائز الأولى لدخول شخصيته في عالم الإبداع والتميز والنجاح، حيث توجد هناك دراسات كثيرة رافقتها التجارب العملية، وأثبتت أن التشجيع والإطراء يضاعف قدرات الطفل ويُسهم في تطوير مواهبه، ويجعله مستعداً لمواكبة التطور السريع الذي يشهده عالم التكنولوجيا والعلوم الحديثة وسواها، فعقلية الأطفال اليوم تختلف عن أطفال الماضي نظرا للتطورات الهائلة لاسيما في مجال تقنيات المعلومة والألعاب. 

إن من أفدح الأخطاء التي يمكن أن تحدث في تربية الأطفال، عندما يقف الأب ضد مؤهلات الطفل ويضع في وجهه العراقيل، فيدمر بذلك قدراته ومواهبه ربما من دون أن يقصد ذلك، وإنما نتيجة للجهل في أساليب التربية السليمة، وقد أكد علماء النفس والاجتماع مستمعاتي أن الردع غير المدروس والمبالغ به للطفل يعني تحجيما لقدراته، ومواهبه ومهاراته، على العكس تماما من منهج التشجيع، وإشاعة ثقافة الأمل بين الأجيال الجديدة، حيث يكون المجتمع هو المستفيد الأول من هذا الأسلوب التربوي الذي يهدف الى دفع الطفل كي يظهر مواهبه وطاقاته دونما تردد، بعيداً عن التحجيم والردع بمناسبة ومن دونها بحيث يغدو هذا الأسلوب ملازما لسلوك الأب ظنا منه بأنه حريص على ابنه لكنه في الحقيقة يقتل في داخله روح الإبداع والمبادرة.

ويعد الأساس التربوي الخطوة الأهم في هذا المجال، فالحاضنة الأولى للطفل مسؤولة على نحو مباشر عن تشكيل شخصيته، وجعلها منتجة متفاعلة أو العكس، ونعني بالحاضنة الاولى العائلة.

وقد نتساءل في أي مرحلة عمرية توضع الركائز الأساسية لشخصية الإنسان أو ما يمكن أن نسميها بالخطوط العريضة لسلوك الطفل؟ فقد أثبتت الدراسات والأبحاث العلمية أن مرحلة الطفولة المبكرة في حياة الطفل تشكل الملامح الأساسية لشخصيته وترسم الخطوط العريضة لما سيكون عليه مستقبله ففي هذه المرحلة يحاول اكتشاف كل ما حوله ويتعرف على البيئة المحيطة به ويفحص كل شيء تقع عليه عيناه عن طريق قاموس مدركاته، وبهذا يمكن أن تكون شخصية متميزة بالحرمة والذكاء او العكس من ذلك، فقد تكون شخصية حيادية وخاملة.

ويرتبط هذا الامر بطبيعة البيئة التي تنمو فيها مدركات وقدرات الطفل، وفقا لأسلوب التربية، فقد يتعرض الطفل الى بعض الاضطرابات النفسية التي يتعرض التي غالباً ما يكون مصدرها الأساسي الظروف والبيئة المحيطة، فالطفل الذي لا يجد البيئة التي تشبع له احتياجاته ويشعر بأنه غير مرغوب فيه، يصبح سيئ التوافق مضطربا نفسياً، أما الطفل الذي يجد الحب والحنان من والديه فيشعر بالسعادة والطمأنينة والرضا، والسبب في ذلك مستمعاتي أن الطفل بطبيعته يستطيع أن يلمس هذا الحب فى بسمة سعيدة أو في نظرة حب تشعره بدفء الحياة وجمالها، وإذا كان الأمل حاضراً مع المزايا التربوية الأخرى؛ لأن الطفل سوف يكون منتجاً مبدعاً ومتميزاً في وقت واحد.

إذاً، على المحيط العائلي أولاً أن يوفر الأمان والشعور بالسعادة والاستقرار للطفل، ثم مساعدته على إطلاق قدراته، والعمل الدائم على زرع آفاق الأمل في تكوينه النفسي على نحو دائم.

ونجد أيضاً بأن هناك آباء يكبحون تطلعات أطفالهم وطموحاتهم، ويُشاع بين الأطفال بالخطأ أن الطفل الهادئ وغير المتحرك، هو الأفضل من غيره، وهذا الأمر غير صحيح بطبيعة الحال، فقد ثبت بالتجربة أن الطفل الأكثر حركة يكون أكثر ذكاء من الطفل الذي يميل الى السكون، خاصة اذا تشكلت شخصيته في ضوء ثقافة الكبح، وهي ثقافة يمكن ملاحظتها ، حيث يتم ردع الطفل بأسلوب عفوي ولكنه يعيق الطفل عن إطلاق مواهبه، ويستمر هذا النمط من السلوك حتى مراحل متقدمة من العمر بسبب افتقاد الإنسان لمشاعر الحب والتشجيع، وهي قيم تنتمي الى ثقافة الأمل التي تساعد الإنسان في طفولته أو شبابه أو كهولته على التوازن وزرع الثقة في شخصيته.

وفي الختام من المهم جداً أن نُشعِر أطفالنا بالأمل، وأن نستخدم معهم على نحو دائم منهج التشجيع، وإشعارهم بأنهم موهوبون متميزون، فإننا ومن اجل بناء مجتمع ناجح علينا أن نتمسك وننشر منهج التشجيع بين أطفالنا وشبابنا، وأن يكون الاهتمام بمواهبهم جزء من سلوكنا اليومي معهم، وأن يكون منهج إظهار الاهتمام بمواهبهم في مقدمة الأسلوب التربوي الذي نعتمده في تربية أطفالنا، وفي حالة ارتكاب الطفل لخطأ، فهذا يحتاج الى التصحيح الهادئ، وذلك باستخدام الألفاظ الهادئة والمتوازنة التي لا تحجم أو تكبح مواهب الطفل، ويتم ذلك في الترسيخ الدائم لمنهج الأمل الدائم.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: برنامج ربيع وزهر- الحلقة السادسة-الدورة البرامجية51.

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا