حق الطفل في التسمية
2020-02-02 10:34:25
158

من شأن كل شيء في هذا الوجود أن يكون له اسم يعرف به، فما بالك بالإنسان الذي سخر الله له كل شيء في هذا الكون، فلا بد له من اسم يعرف به في الدنيا وفي الملأ الأعلى، ومن ثم فإن هذا الاسم له تأثير كبير في جوانب شخصية الطفل المسلم، لذلك فمن حق الطفل على أبويه أن يختاروا له اسم حسن يعرف به.

ويتضح لنا أحقية الطفل في التسمية، من خلال قولة تعالى: ﴿ إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [آل عمران: 35-36]، ها هي امرأة عمران تهب ما في بطنها لخدمة بيت المقدس، على أنه ذكر فلما وضعت؛ وضعت أُنثى ورغم أن وضعها جاء على خلاف ما كانت تتمنى إلا أنها لم تغفل حقها في التسميه فاختارت لها اسماً حسناً "مريم"، أي العابدة.

وقال تعالى ﴿يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً﴾، [مريم: 7]، يبشر الله تعالى زكريا بغلام ويختار له اسماً لم يسمَّ به أحد قبله، وهذا الحق جعله الله في الشرائع التي قبلنا وأقرته الشريعة الإسلامية.

أختي المربية، امتاز الإسلام عن غيره بأن جعل لكل شيء آداباً وضوابط، ولهذه الأمور فوائد قد يعرفها الإنسان وقد يجهلها، ولكن لكل شيء مصلحة وأثراً على الفاعل؛ حيث إن الله لا يأمر أمراً عبثياً وهوائياً ـ والعياذ بالله ـ فهو الحكيم الذي لا يصدر منه إلا الحكمة، والعالم الذي لا يصدر منه إلا العلم ,روي الحسن الطبرسي في (مكارم الأخلاق) قال: قال (عليه السلام): «سبع خصال في الصبي إذا ولد من السنة: أولاهن يسمى؛ والثانية يحلق رأسه؛ الثالثة يتصدق بوزن شعره ورقاً أو ذهباً إن قدر عليه؛ الرابعة يعق عنه؛ الخامسة يلطخ رأسه بالزعفران؛ السادسة يطهر بالختان؛ السابعة يطعم الجيران من عقيقته».

نرى من الحديث الشريف أنه من أولى الآداب الخاصة بالطفل في اليوم السابع هي التسمية: وهي عبارة عن إطلاق لفظة خاصة لمعنى خاص يراد به المسمى، وهي من الأمور الملازمة للإنسان في جميع العوالم التي يذهب إليها من الدنيا إلى القيامة، والاسم يؤثر تكوينياً على المسمى وله دخل في حياته من حيث السعادة والشقاء، فإذا كانت لها هذه الأهمية يجب أن تلاحظ وتراعى بهذا المستوى. نعم، قد تطور الزمان وتفتحت العقول إلى الأمور الجمالية؛ فنشدت للبحث عن أسماء جميلة لأبنائها، وتشعر بسعادة في أثناء البحث، إلا أنه وللأسف ما زالت شريحة من الناس حتى على مشارف الظهور القرن الواحد والعشرين تسمي ابناءها بأسماء قبيحة المعاني، لذا تعالي معنا لنطرق باب بيت النبوة وننظر كيف ينظرون إلى هذه المسألة:

الجانب الأول: وقت التسمية؛ إذ يوجد لوقت التسمية اتجاهان:

 الاتجاه الأول: يسمي الولد قبل ولادته، قال أميرالمؤمنين عليه السلام: «سمّوا أولادكم قبل أن يولدوا فإن لم تدروا أذكر أم أنثى سموهم بالأسماء التي تكون للذكر والأنثى؛ فإن اسقاطكم إذا لقوكم في القيامة ولم تسموهم يقول السقط لأبيه: الا سميتني وقد سمى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) محسناً قبل أن يولد».

 الاتجاه الثاني: وتميل إليه كثير من الروايات: وهو أن يسمى الولد في اليوم السابع بعد الميلاد، عن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «وسألته عن العقيقة عن المولود كيف هي؟ قال: إذا أتى للمولود سبعة أيام سمي بالاسم الذي سماه الله عز وجل به». 

أما وجه الجمع بين الخبرين فإنه عند الولادة أو قبل الولادة يسمى الولد بمحمد والبنت بفاطمة سبعة أيام فإن شاء غيّرها وإن شاء أثبتها، وأما العلة من التسمية حتى يطرح الله فيه البركة ويتشرف بهذا الاسم المعظم أو تتشرف بهذا الاسم العظيم فعن أبي عبدالله عليه السلام : قال «لا يولد لنا ولد إلا سميناه محمداً فإذا مضى سبعة أيام فإن شئنا غيرنا وإلا تركنا».

أما الجانب الثاني هو اختيار أحسن الأسماء:

 أختي المربية :يسعى كل إنسان أن لا يوصف بأي وصف قبيح يدل على الاشمئزاز، أو النقيصة لذا يطمح إلى الكمال في كل ما ينسب إلى ذاته، ومن الأمور التي تنسب إلى ذات الشخص اسمه واسم أبنائه، فمن الضروري حينئذ أن تكون جميلة في غاية الجمال؛ لأنها تعطي صاحبها السعادة والاطمئنان، إن كانت تبعث إلى البهجة وتعطي الشؤم إذا كانت منفرة، فما أحسن أن يكون الشخص اسمه حسناً! لذا مستمعتي نجد الإسلام يركز على هذه المسألة فيأمر الأب أن يختار الاسم الحسن. بل يراه من حقوق الابن على الأب اختيار الاسم الجميل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): استحسنوا أسماءكم فإنكم تدعون بها يوم القيامة يا فلان بن فلان قم إلى نورك وقم يا فلان بن فلان لا نور لك».

 أما الجانب الثالث فهو تغيير الأسماء القبيحة:

أختي الطيبة: قد يصاب الشخص بأب لم ينل الوعي الكافي، أو الإدراك المطلوب فتنعكس هذه الثقافة والوعي على حياته؛ فيختار ما لا يناسب، أو لا يحسن الانتقاء، يجعل لابنه اسماً غير لائق فهنا يلزم على الولد أن يغير اسمه الذي سماه أبوه به، ويحسن هو الاختيار وليس عليه حرج ولا ضرر، بل حتى عائلته إن كان لقبها مقززاً كما حال بعض العوائل. بل كانت عادة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته صلوات الله عليهم يغيرون الأسماء القبيحة بأخرى حسنة.

 جاء رجل نصراني إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له رسول الله: «ما اسمك؟ فقال: اسمي عبد الشمس، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): بدل اسمك فإني أسميك عبد الوهاب».  



وفي قصة أخرى: «أن رجلاً قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما اسمك؟ قال: حزن؟ قال له الرسول: بل سهل، أجاب ذلك الرجل بقوله: بل اسمي حزن ولا حاجة لتغير اسمي. فما زالت الحزون والشدائد في عقبه حتى لعنوه لأنه لم يسمع كلام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).

 وعندما ينهى الإسلام أن يسمي الإنسان نفسه باسم غير جيد ينهى أيضاً أن يطلق الإنسان على نفسه بعض المسميات المضحكة أو الجالبة للاستهزاء به أو الاستهتار من قبل الآخرين؛ فإن الاسلام يحرم على الإنسان أن يجعل نفسه سخرية للآخرين فهو أول مراتب الحقارة الذاتية التي تؤثر على نفس الشخص.

 اما الجانب الرابع فهو أثر التسمية:

اختي الكريمة : قلنا سابقاً: إن التسمية الحسنة لها أثر إيجابي؛ فهل يقتصر هذا الأثر على عدم الاستهزاء أو الاحترام فقط أو هناك آثار أخرى؟ لا يمكن لأحد أن يجيب على هذا السؤال غير مدرسة واحدة هي مدرسة أهل البيت عليهم السلام وذلك لأن علمها مستفاد من علم الله، والله العالم بحقائق الامور. فعن ربعي بن عبدالله قال: «قيل لأبي عبدالله عليه السلام: جعلت فداك إنا نسمي بأسمائكم وأسماء آبائكم فينفعنا ذلك؟ فقال: أي والله وهل الدين إلا الحب! قال الله : « قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم»  وإن من أول آثار المنفعة معرفة الموالي من خلال اسمه؛ فإذا كان اسمه علي بن حسين بن محمد بن مهدي فإن هذا أول الاستدلال على كونه من أهل الولاية؛ فيسكن الفؤاد عند سماع هذا النسب المشمول بأسماء الأنوار الإلهية. وأما ما يسعى إليه بعض الآباء من تسمية أبنائهم بأسماء أعداء أهل البيت ـ وللأسف ـ حتى لا تكون العين على أبنائهم ، وحتى ينالوا الوظائف هنا أو هناك، وغيرها فهذا من ضعف الإيمان وقلة البصيرة وتلبس الأمر عليهم بالمتشابهات هداهم الله إلى حقائق الامور
مستمعتي إذا سمي الولد بأسماء أهل البيت (ع) فانه ينتفي عن هذا البيت الفقر، عن سليمان الجعفري قال: «سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: (لا يدخل الفقر بيتاً فيه اسم محمد أو أحمد أو علي أو الحسن أو الحسين أو جعفر أو طالب أو عبدالله أو فاطمة من النساء)، وهنا: والمراد منه الفقر الحقيقي لا الظاهري إذ الظاهري ربما قد يحصل في بعض الأحيان وفي الروايات: «أن الرجل ما دام عنده ولاية أهل البيت وهو متمسك بها ليس بفقير»، وإن كان ظاهره الفقر المادي، هذا والله العالم.

أختي الطيبة :هناك بعض الأسماء التي نهى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)عن التسمي، أو التكني بها هي كالآتي: همام والحارث ومبارك وبشير وميمون؛ لئلا يقال: ثم مبارك ثم بشير ثم ميمون، وقال: لا تسموا شهاباً فإن شهاب اسم من أسماء النار وفي رواية أبغض الأسماء إلى الله حارث ومالك وخالد.
وأيضاً الحكم وحكيم وضرار ومرة وحرب وظالم، وفي الكنى قال النبي (الله عليه وآله وسلم): ولا يكنيه بعيسى ولا بالحكم ولا بالحارث ولا بأبي القاسم إذا كان الاسم محمداً..هذا كله في الرجال أما النساء فلا يسمى بالحميراء.
       
 


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج وحناناً من لدنا- الحلقة الرابعة- الدورة البرامجية21

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا