كيف تقر عينك بالذرية الصالحة؟
2020/03/12
692

أختي الكريمة .. إن الذرية الصالحة تعد الملف المفتوح للإنسان عندما ينتقل إلى عالم الانقطاع عن كل سبب، يضاف إليها الصدقة الجارية، والعلم الذي ينتفع به، ويا له من فوز عظيم، إذ يحتاج العبد إلى حسنة واحدة ترجح كفة أعماله، وإذا بالبركات تـنهمر عليه من ولد صالح له، لم يكن ذلك في حسبانه! وقد روي أن عيسى(ع) مر بقبر كان يعذب صاحبه، ثم ارتفع عنه العذاب، فسأل الله تعالى عن سبب ذلك، فقال : أدرك له ولد صالح، فأصلح طريقا، وآوى يتيماً، ومن أفضل بركات الزواج هو تحقيق نعمة إضافة فرد صالح في الأمة، فإن سقط  وهو حمل في بطن أمه - يقف على باب الجنة لا يدخلها إلا أن يدخل أبواه، وإن ولد حياً ومات قبل الأبوين، كان سبباً لأن يؤجرا أجر الصابرين.. وإن بقي بعدهما، استغفر لهما، وقد ورد أن من سعادة المرء، أن لا يموت حتى يرى خلفاً من نفسه، وأن الذليل من لا ولد له.

 وتبدأ حقوق الولد من الساعات الأولى قبل الزواج، فيصلي المؤمن ركعتين ليلة زفافه، طالباً من الله تعالى الذرية الطيبة بالمأثور من الدعاء، ثم تسمية الولد قبل أن يولد، فإن السقط يشكو أباه يوم القيامة قائلاً: ألا سميتني؟ وخير الأسماء ما تضمن معنى العبودية لله تعالى، وأسماء الأنبياء والأئمة (ع)، وكم من العقوق أن يحمل الولد اسماً يستحي أن يـُدعى به في الناس.

 والابتداء بالأذان والإقامة في أذن الطفل، وكذلك الفاتحة وآخر سورة الحشر، وتحنيكه بماء الفرات، وتربة الحسين (ع) – حيث تفوح منها رائحة الشهادة – لمن موجبات غرس روح التوحيد والولاية في أعماق وجوده، من خلال رسم ذلك في الصفحة الأولى من حياته.. وكم يجل والديه عندما يكبر، فيتذكر هذا الإحسان في حقه منذ صغره! وكم من الجميل أن يشرك الأبوان الفقراء فرحتهما وذلك من خلال العقيقة المسنونة.

كما تتجلى أهمية الذرية من خلال دعوات الأنبياء والصلحاء لذرياتهم، وكأنه همّ شاغل لهم.. فهذه أم مريم (ع) - بمجرد وضع ابنتها المباركة- تعيذها وذريتها من الشيطان الرجيم.. وهذا إبراهيم (ع) يسأل ربه في مضان الإجابة، أن يوفقه وذريته لإقامة الصلاة، ويشكر ربه على هبة إسماعيل واسحق له على كبر سنه.. ونحن أيضا مأمورون بمثل هذا الدعاء من خلال الإكثار من القول: { ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما)، لقد أمرتنا النصوص المباركة إغراق الذرية بالحنان.. فجعلت قبلة الولد موجبة لحسنة، وجعلت نظر الوالد إلى ولده بمثابة عتق نسمة، وورد الأمر بالتصابي مع الصبي.. ويبلغ التأكيد مداه عندما يرد النص عن النبي (ص) بأن الله تعالى لا يغضب لشيء كغضبه للنساء والصبيان،  ولكن هذا كله، لا يعني حالة الدلال المفسد للولد، فإن الاستسلام لرغباته في كل صغيرة وكبيرة مقدمة للإفساد، وإننا لا نفشي سراً عندما نقول: بأن كل شيء بات حولنا أرضية للإفساد والفساد، مصداقاً لقوله تعالى: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس) ولو استوعب الناس الأمر في حينه، لعله أضيف إليه الفضاء.

فهذا حال مدارسنا بمناهجها وأجوائها، وهذا حال الشارع والسوق، ناهيك عن الفضائيات والمواقع.. فلم يبق إلا حصن الأسرة، فلو استسلم أصحابه للغزو الثقافي الشامل لسقط آخر معاقل الصمود.. أوَ من العقل أو المنطق أن يشتري ولي الأمر -بماله وبإشرافه- وسائل الارتباط بالعالم الخارجي بما فيه من المفاسد من دون رقابة، ليتحمل وزر كل ذلك في الدنيا قبل الآخرة ؟

إن الإعراض والغضب سلاح نافع، ومن هنا جعل الهجران في المضاجع من وسائل التأديب عند صدور الحرام من الزوجة.. ولكن تكرار استعمال هذا السلاح -بمبرر وبغير مبرر- يفقده قيمته في ما لو استعمل في محله يوماً ما!.. فالذي يكثر من الغضب، فإن غضبه لا يحمل قيمة رادعة، بل قد يوجب سخرية أو تمرد الطرف المقابل.. هذا ناهيك عن الضرب الذي هو أسلوب التعامل مع البهائم، قبل أن يكون مع البشر!.. إلا في الحدود التي أذن بها الشارع الحكيم.

وإن من الخطأ الفادح إظهار الزوجين خلافهما في التربية أمام الأولاد، فتتحول الأم في نظر الولد على أنها الحضن الدافئ، ويتحول الأب وكأنه قائد عسكري لا يعرف الرحمة في دائرة حكومته،  فهذا كله مقدمة لعقوقهما أو عقوق أحدهما، فلا بد من الاتفاق على منهج تربوي موحد في الخفاء، وما المانع أن يخصص الإنسان جزءاً من وقته واهتمامه للدراسة التربوية في هذا المجال، فبمثل هذه الأخطاء وأمثالها، نهدم ما بنيناه في أعوام طويلة من العناء والمشقة في تربية الأولاد، وخاصة في هذه الأيام العصيـبة.

- إن هذا الحديث من روائع ما ورد عن أهل البيت (ع) مما يعكس حالة الشفقة والرفق بالأولاد -خصوصا الإناث منهم- ومن ناحية يعكس عمق ارتباطهم بجدتهم الزهراء (ع).. اذ يقول السكوني: وردت على الصادق(ع) وأنا مغموم مكروب، فقال لي: يا سكوني، ما غمك؟.. فقلت: ولدت لي ابنة، فقال: يا سكوني، على الأرض ثقلها، وعلى الله رزقها، تعيش في غير أجلك، وتأكل من غير رزقك.. فسرى والله عني، فقال: ما سميتها؟.. قلت: فاطمة، قال: آه!.. آه!.. ثم وضع يده على جبهته، إلى أن قال: (أما إذا سميتها فاطمة؛ فلا تسبها، ولا تلعنها، ولا تضربها).


 







ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج مفاهيم من حياتنا - الحلقة الرابعة- الدورة البرامجية51.

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا