إبنكِ بعضكِ بل كُلّكِ
2020/03/09
442

لكلّ صناعة من الصناعات أساليبها وفنونها، وأمهر الصُّناع مَن اتخذ قول أمير المؤمنين(ع): "العمل شعار المؤمن"(1) قاعدة لصناعته؛ ليدخل أمير المؤمنين(ع) بكلماته إلى النسيج النفسي للشخصية البشرية كي نكون مؤمنين بجودة من ربينا في المجتمع وصدى صلاحهم، وليدلّ على براعة المربي وكفاءته؛ لأنها تعد إحدى الضمانات المهمة لاحترام المربي ودوره الذي خلقه الله عز وجل له وتقديراً لصياغته البشرية؟!

إن التربية في صياغتها تعد من أشد الصياغات تعقيداً، وتفشل التربية في أدائها، فيتوهم من يعتقد الاعتماد على نفسه من دون استشارة أحد من أفراد المجتمع في عملية التربية للولوج إلى أطوار أخرى كما بيّنها الله في كتابه العزيز: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)/ (الروم:21)، لتكون هذه الآية الخطوة الأولى في النسق الذي اختاره الله لكي نتجنب (التربية العشوائية) التي تتخذ من الحلول الوقتية غير المدروسة حلّاً أمام الأزمات التي تعترض مسيرة الأبوين التربوية، فلا نغفل عن دور الأقلام التي زخرت بأفكارها صفحات الكتب بالموضوعات والمقالات التربوية التي تناولت تربية الطفل في هذه المرحلة العمرية، في المقابل أنها أهملت الحديث عن هذه المرحلة العمرية بعمومها وشمولها؛ لأنها ركزت على مرحلة (المراهقة)؛ إذ تعدّ مرحلة الطفولة من أهم المراحل التي تمتلك أبعاد استمرارية في إنجاح التربية مادامت المعرفة متجددة والسلوك في تغير والفكر في تطور؛ فرسم الرسول الأكرم محمد (ص وآله) معالم الهدف من التربية في الحديث الشريف: "الولد سيّد سبع سنين، وعبد سبع سنين، ووزير سبع سنين، فإن رضيت خلائقه لإحدى وعشرين سنة، وإلا ضرب على جنبيه فقد أعذرت إلى الله"(2)، إذ بيّن الرسول الأكرم(ص وآله) أنّ ماهية التربية على قداستها فهي صعبة وتقع مسؤوليتها على عدة جهات في المجتمع وأهمها الوالدان، إذ يؤديان أدواراً متعددة في حياة الطفل إلى أن يبلغ الحلم ويشاركهما المربون صبياً، ظناً منهما أن دورهما التربوي كاد أن ينتهي وأن من حقّهما التقاط أنفاسهما بعمق، تاركين ما تبقى من المشوار التربوي للمجتمع؛ لنصل إلى نتيجة أنّ مَن أعدّوا له من قوة لم يعدّوا له رباط الخيل التي تجعله رجلاً صالحاً ومنتجاً فعالاً إلا بعد مرور العديد من السنوات التي سوف يرتكب فيها العديد من الأخطاء والتي يعاقبه عليها المجتمع من غير أن يكون له ذنب وتستقر به الأرض بعد أن تتقاذفه الأيام يميناً شمالاً في النهاية، وسيُقبل في المجتمع على أنه رجل ناضج أو امرأة ناضجة، وتكون نقطة البداية لهما مع الحياة الجديدة.

إن المشوار في مضمار التربية لا ينتهي، ولعل أقرب صورة تقرّب معنى التربية ودور الأب في هذه العملية هو الدور الذي لعبه الإمام السجاد(ع) في تربية الإمام الباقر(ع)، إذ ربّى فيه محاسن الأعمال، وغرس في نفسه معالي الأخلاق، ونهاه عن كل ما يوجب الانحطاط في سلوكية الإنسان بوضع منهج مميز يسير عليه في حياته، مما أثرى شخصيته حينما عاصر محنة الطف والسبي وهو لم يتجاوز الرابعة من عمره؛ ليعدّه الإمام السجاد إلى الدور القيادي الذي رسمه أمير المؤمنين لابنه الإمام الحسن(ع): ".. وجدتك بعضي بل وجدتك كلي حتى كان شيئاً لو أصابك أصابني، وحتى كان الموت لو أتاك أتاني.."(3).







ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ميزان الحكمة: ج3، ص452. 

(2) وسائل الشيعة: ج21، ص476.

(3) بحار الأنوار: ج74، ص199.

(*) المصدر: مجلة رياض الزهراء (ع)/ مجلة شهرية تصدر عن شعبة المكتبة النسوية في العتبة العباسية المقدسة- العدد101- منال حسين علي السيّد/ لبنان.



 












تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا