بناء العلاقة على أساس الاتهام والشك والريبة
2020/02/21
1049

هناك مظهر آخر من مظاهر التفكك الاسري ألا وهو  بناء العلاقة على أساس الإتهام  والشك والريبة، إنّ الشك إذا تسلل إلى الحياة الزوجيّة أفسدها وهدّم بنيانها وصدّع  فيها أركان الحب والألفة والودّ والرحمة فإن توجيهات الإسلام جاءت لتبني حصناً منيعاً أمام هذه العاصفة الهوجاء فمن ذلك نهيه (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ابتغاء الريبة لأن الحياة تستحيل - أو تكاد - أن تدوم على أنقاض نيران الشك ودخانه، ولخطورة هذا العدو فإن توجيهات الوحي جاءت لتبني حصناً منيعاً أمام هذه العاصفة الهوجاء التي ما حصلت في مجتمع عام أو خاص إلاّ أفسدته وقوضته !! فمن ذلك نهيه صلى الله عليه وسلم عن ابتغاء الريبة وتتبع الناس بالشك، حيث جاء في حديث عن (النَّبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «إِنَّ الأمِيرَ إِذَا ابْتَغَى الرِّيبَةَ في النَّاسِ أَفْسَدَهُمْ»، ولئن كان النصّ ذكر الأمير (العام)، فالزوج  يشمله اللفظ؛ لأنه هو الأمير الراعي في بيته لقوله:(صلى الله عليه  وآله وسلم): " كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته  فالزوج راعٍ ومسئول عن رعيته".

تأملي هذا التحذير الشديد من ابتغاء الريبة والشك وكيف أن نتيجة  ذلك هو الفساد والتجاسر على العدوان والظلم، حيث جاء في حديث آخر: " وَإنَّ مَنْ خَالَطَ الرِّيبَةَ يُوشِكُ أَنْ يَجْسُرَ"، وهكذا  بالنسبة الى الأولاد  لا ينبغي  أن يشعروا  أن أباهم يتخونهم  ويشك فيهم دائما فهذا موجب للنفرة وللهروب من هذا الواقع المر في نظر الأبناء بل عليه أن يشعرهم أنهم محل ثقته وهذا لا يأتي من فراغ وإنما يكون بعد بذل  الجهد فيما ذكرنا من أنواع التربية. 
هذه هي مظاهر التفكك الاسري، وللتفكك الأسري آثار يصعب حصرها، ولكننا نعرض أهمها:

1- آثار التفكك على أفراد الأسرة؛ فأول ضحايا التفكك الأسري هم أفراد الأسرة أنفسهم، فالزوجوالزوجة يواجهان مشكلات كثيرة تترتب على تفكك أسرتهما، كالإحباط وخيبة الأمل أو الأمراض النفسية، كالقلق المرضي أو الاكتئاب أو المخاوف المرضية، وقد ينتج عن ذلك عدم القدرة على تكوين أسرة مرة أخرى، فينعزل الزوج أو الزوجة عن الحياة الاجتماعية،ويعيش حياة منطوية على الذات، سلبية التعامل، وقد يتجاوز الأمر حدود السلبية ويتحول التفكك إلى عنف قد يصدر من الرجل ضد المرأة أو العكس، وليس العنف إلا ردة فعل لتصرفات الآخرين ، فالرجل الذي يمارس العنف مع زوجته يثير لديها غريزة العنف، وكذلك ممارسة العنف ضد الأبناء يثير لديهم غريزة العنف ضد الآباء مستقبلاً.

والعنف يبدأ بالكلمة النابية أوالاستهانة التي تحمل الآخر على التمرد ورد الإساءة بمثلها أو أشد منها وأكثر الآثار خطورة هي تلك المترتبة على الأولاد ، خصوصاً إن كانوا صغار السن، فأول المشكلات التي تواجههم هي التشتت حيث يعيش الأولاد أو بعضهم مع أحد الوالدين والبعض الآخر مع الوالد الآخر،
وغالباً ما يتزوج الأب بزوجة أخرى، والأم بزوج آخر، والنتيجة في الغالب مشكلات مع زوجة الأب وأولادها وزوج الأم وأولاده، مما قد يدفع أولاد الأسرة المتفككة  إلى ذلك المنزل إلى أماكن أخرى قد لا تكون مناسبة للعيش في حياة مستقرة . وإذا كانت بنتاً فإنه ليس لها مجال لمغادرة المنزل، فقد يقع عليها حيف في  المعاملة ولا تستطيع رفعه ، فتصاب ببعض الأمراض النفسية نتيجة سوء المعاملة، وفي بعض الحالات تكون مثل تلك الفتاة عرضة
للانحراف في مسالك السوء بحثاً عن مخرج من المشكلة التي تعيشها، فتكون مثل من استجار من الرمضاء بالنار.والأطفال بعد الطلاق قد يستخدمون أحياناً كوسيلة للانتقام والإيذاء المتبادل بين الزوجين، فالأم تحرم الأب من رؤية أولاده، والأب يحاول أن يضم الأولاد إلى حضانته، ويعيش الأبناء تجربة نفسية قاسية تترك في وجدانهم انطباعاً سيئاً عن الجو الأسري والعلاقات الزوجية،  منهم يفشل في دراسته، ولا يقتصر أثر التفكك الأسري على الأبناء على تخلفهم الدراسي وحسب، فالأبناء الذين ينشأون  في أسرة مفككة لا تعرف بين أفرادها غير النفور والكراهية لا تكون نشأتهم طبيعية، وتترسب في أعماقهم مشاعر الكراهية نحو الحياة والأحياء ويتمثل ذلك في الانحراف والتمرد على القيم والنظم والقوانين  فضلاً عن العزوف مستقبلاً عن الحياة الزوجية.

2 - آثار التفكك على علاقات الزوجين بالمجتمع: ينتج عن التفكك الأسري اضطراب وخلل في علاقات الزوجين بالآخرين خصوصاً الأقارب، فإن كانت ثمة علاقة قرابة تربط بين أسرتي الزوجين فإن هذه العلاقة تتأثر سلبياً بما يحدث للزوجين ، وربما وقعت القطيعة بين الأسرتين.

3- آثار التفكك على قيم المجتمع وثقافته: يسبب التفكك الأسري  اختلالاً في كثير من القيم التي يسعى  المجتمع لترسيخها في أذهان  وسلوكيات أفراده، مثل الترابط  والتراحم والتعاون والمسامحة ومساعدة المحتاج والوقوف معه في حالات الشدة، وغيرها من القيم الإيجابية المهمة في تماسك المجتمع واستمراره؛ إذ يولد التفكك إحباطاً نفسياً قوي التأثير في كل فرد من أفراد الأسرة المتفككة، قد يجعل بعضهم يوجه اللوم إلى المجتمع الذي لم يساعد على تهيئة الظروف التي تقي من التفكك الأسري ، فيتحول اللوم لتلك القيم التي يدافع عنها المجتمع، ويسعى الفرد للخروج عليها وعدم الالتزام بها كنوع من السلوك المعبر عن عدم الرضى غير المعلن.

إذاً، إذا بنينا الأسرة بناء إيجابياً متفاعلاً قوياً متماسكاً متناغماً متآلفاً فإننا نبني المجتمع وإذا بنينا المجتمع بنينا الأمة.
 

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: طريقك نحو السعادة - الحلقة السادسة - الدورة البرامجية 29.

 

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا