التربية الأسرية بين الشدة واللين
2020/02/21
2446

من مظاهر التفكك الأسري وهوالقسوة والشدة المفرطة في التربية أو اللين الزائد عن الحد عن الرسول (صلى الله عليه وآله  وسلم) قال:(ما يكون الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه) فالأصل في معاملة الإنسان الرفق واللين إلا إن كان ما يستحق الشدة فلا بأس حينئذ وتكون محمودة. الرفق سلوك حضاري رفيع يأتي تماماً بعكس العنف أو الشدة أو القسوة وجفاف المشاعر ، ولكني في هذا الموضوع لن أتحدث عنه كسلوك عام بقدر ما أني سأتحدث عنه كسلوك إيجابي فعّال في تربية الأبناء أو التعامل عموماً مع فئة الأطفال وصغار السن .إن أساس تواجد طفل أو إنسان في هذه الحياة – بعد الله – هو قرار اتخذه رجل وامرأة في هذا الكون بالارتباط بواسطة ميثاق غليظ يُسمى الزواج ليكوّنوا أسرة إما لزيادة عدد على أمة كغثاء السيل وإما لضخ الأمة بدماء مُجددة فعّالة ذات قيمة متصالحة وصالحة لنفسها وللمجتمع.

ويتصور البعض ( إن ما يحتاجه الطفل هو الشدة أو الضرب ) ولكن نقول لدينا مئات ومئات السلوكيات والأخلاقيات والكلمات التي سنلجأ لها قبل أن نقول أن الشدة أو الضرب هو الحل وفي هذا حجة لدى البعض بأنه تربى بالشدة ويريد أن يسير على نفس الأسلوب وعذراً إن قلت أن الأمة ستذهب فيها بزيادة أعداد عالات على المجتمع ، فأولاً الأجيال تختلف والعقول تتطور وما كان قديماً صحيحاً عن جهل أصبح اليوم خاطئاً عن علم وثانياً والأهم هو قدوتنا  النبي (صلى الله عليه وآله  وسلم) وأهل البيت (عليهم السلام) الذين لابد لنا أن نتأسى بهم فالقسوة الدائمة تنفر الناس من حولك ولو كنت أقرب قريب قال تعالى لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم): ( فبما رحمة من الله لنت لهم .. ).

أختي الفاضلة، وكما أن القسوة تكون بالفعل بالضرب ونحوه فإنها أيضا تكون بالقول وذلك بالتوبيخ القارع والتحقيروالسخرية والازدراء فكم والله فيها من تحطيم للأولاد وقتل الروح المعنوية في قلوبهم وشعورُهم أنهم لا يصلحون لشيء وهذا من أخطر الأمور في التربية لأنالأولاد في مثل هذه الحالة سيكونون عرضة لكل من يتلقفهم من شياطين الإنس وألعوبة لكل من يجرهم من السفهاء وهذا لا يرضى به الأبوان مع أنهم قد يكونوا السبب في ذلك . ونود أن نذكر لك إن لإستخدام اسلوب العنف او الصراخ نتائج سلبية منها:

1– أن ذلك لا يوقف السلوك الخاطيء بل يجعل الطفل يقوم بنفس السلوكيات بشكل سري.

2- أن هذا الأسلوب يمنح كل أنواع الانتباه السلبي، فلنفترض أن الطفل يلعب بالقرب منكِ بينما أنتِ تتحدثين مع جارة زارتكِ : فتقولين لها هذا طفلي شقي جداً ، كسول ، لا يسمع … ، في هذه اللحظة هو ينتبه لحديثكِ ولو لم ينظر إليّكِ أو بدا لكِ أنه غير منتبه أو مشغول باللعب ، هنا ستمنحيه  انتباه سلبي فيؤذيه ذلك وقد يدفعه للانتقام  بمزيد من السلوكيات الخاطئة ، والعكس في الانتباه الايجابي.

3- أن أسلوب العنف يعلم الطفل جيداً كيف يكون عنيفاً مع نفسه والآخرين، مالم يأتي لهذا الطفل عوامل تربوية ثانية تُهذب ما تلقاه، وهذا العنف قد يكون خارجي أو داخلي يصاحبه كبت وكراهية للآخرين، وهذه الأخيره هي الأخطر.

4 – إن هذا الأسلوب يجعل الأطفال يتوقفون عند ادنى مستوى من النموالأخلاقي إذ يهتمون بتفادي العقاب وليس في فعل ماهو جيد وحسن.

5- إن هذا الاسلوب يفرض سيطرة خارجية على الطفل فتتوقف لديه المرجعية الداخلية وتجعله يتلقى من الخارج فيصبح تابعاً، كما يتوقف لديه صنع القرار ويفقده ثقته بنفسه ويقل تقديره لذاته.

6- أسلوب العنف والشدة يعلم الطفل كيف يعتاد على العنف فلا يعود يؤثر فيه، مثلما نسمع كثيراً عبارة (ماعاد يأثر فيه الضرب) بالطبع لن يؤثر لانه اعتاده وبدأ بفصل شعوره الداخلي عن جسده بينما بضع كلمات حانية قد تؤثر في هذا الطفل  أقوى تأثير بعضنا من طبيعته العصبية والغضب السريع ولعل أفضل علاج لذلك وصية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بتغيير الوضع في حال الغضب(وقد يدخل من ذلك أخذ نفس عميق والعد قبل التصرف) أو الذهابللوضوء، وقبلها النهي الصريح بـ (لا تغضب).

واعلمي عزيزتي إن أكثر ما يحرك العلاقات الإنسانية عموماً هو العاطفة، الجفاف العاطفي مشكلة يعانيمنها الكثير فلا يستطيعون التعبير عن حبهم بالكلمات والتصرفات وكوننا نتحدث هنا عن الأطفال فإن  أكثرما يحتاج إليه الطفل هو إشباعه بالعاطفة لينشأ شخصاً سوياً لا يخجل من إظهار عواطفه والتعبير عنها في اتجاهها الصحيح؛ فعلى الآباء والأمهات أن يُحبوا أبنائهم بدون شروط، لا يمكننا أن نوصل رسالة لطفل بأن حبنا له مشروط بالطاعة وإن اخطأ أو تصرف بشكل لا يرضينا أوقفنا هذا الحب، بهذه الصورة لن يستجيب الطفل وإن فعل ربما يتعلم أن تكون استجابته مشروطة، وإن أولادنا هم ثمار قلوبنا وعماد ظهورنا ونحن لهم أرض ذليلة وسماء ظليلة فإن طلبوا فنعطهم وإن غضبوا فنرضهم فإنهم يمنحوننا ودهم ويحبوننا جهدهم ، ولا نكن ثقلاً فيملوا حياتنا ويتمنوا وفاتنا، وعلى العكس من ذلك اللين الزائد والتهاون يضر أكثر مما ينفع ويفسد أكثر مما يصلح فإن الأولاد سيتجرؤون على آبائهم وسيصلون إلى ما يعرف بالتدليل، فكل ما يقوله الولد صحيح وكل ما يفعله وكل ما يطلب يجاب إليه والخطأ منه صواب ويعيش مخدوماً آمراً وناهياً.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر:  طريقك نحو السعادة - الحلقة الخامسة- الدورة البرامجية 29

 

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا