المرأة والكمال الإنساني*
2020/02/17
328

الإنسان خليفة الله تعالى في الأرض، وتقع عليه مسؤولية بنائها والسير في طريق الكمال الإنساني فيها، وهنا يبدأ التساؤل: هل يمكن للمرأة الانطلاق في طريق الإعمار والبناء من أجل الوصول للكمال الإنساني؟ وهل يسمح تكوينها العاطفي بالانطلاق في بعض المجالات وممارسة بعض الأدوار من دون أن يشكل لها عراقيل ومشاكل؟ وتكمن الإجابة في كثير من الجوانب التي كشفت اللّثام عن الأمور الخفية في التركيز على تهذيب رؤية المجتمع للمرأة غير المنبثقة من منطلق ديني أصيل، وتصحيح الفهم الخاطئ الذي يمنع المرأة المحجبة من ممارسة دورها الطبيعي في المجتمع، وهذا ما يحتاج إلى الكثير من الجهد في تثقيف المجتمع لفهم مبادئ الدين بشكل صحيح وواضح، ورفع اليد عن الكثير من النشاطات المتلألئة كي ترى النور، فالمرأة مثلت جميع أدوارها في الحياة بإبداع واحترافية، وفي ضمن حدود الشريعة المقدسة، فقد أكد القرآن الكريم في سورة الأحزاب:(أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى)(1) على وحدة المرأة والرجل في الخلقة الإنسانية، ووحدة النظر إليها من حيث الإيمان والعمل والسلوك؛ ليكون أساس التقويم مع مقدار ما يقدّمه الإنسان من عمل صالح وما يتمتع به من إيمان وتقوى، ولم يقل القرآن المبارك إنّ المرأة فاقدة للرزق والاستعداد المعنويّ، وإنما قال إنّ الرجل والمرأة لديهما الاستعداد كي يعيشا حياة طيبة، فالجزاء الأخرويّ لا يعتمد على الجنس فقط، وإنما يحدد على أساس الإيمان والعمل الصالح؛ لذا انطلق للإشادة ببعض النساء مثل: امرأة فرعون، ومريم، وأمّ موسى، وأعلن غضبه على نساء أخريات مثل: امرأة نوح، وامرأة لوط، وهناك آيات قرآنية تؤكد بشكل لا يقبل الشك على تساوي النساء والرجال في الفضائل الباطنية، كقوله تعالى: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ.. أَعَدَّ الله لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)/ (الأحزاب:35)، وهنالك آيات أخرى تتحدّث عن الصلة الوثيقة بين الرجل والمرأة، والقرآن الكريم لا يقول قطّ إنّ المرأة ذليلة أو يقلّل من قدرها، وإنما يؤكد على ترابطهما ومودّتهما، ويؤكد على أنهما قدما من صحراء العدم إلى روض الوجود ليكمل أحدهما الآخر، وكذلك يركز على قوامة الرجل على المرأة التي تطوي في معانيها صون الرجل للمرأة ومحافظته عليها والإنفاق عليها، ورفع مسؤولية أعباء الحياة عن كاهلها، وتقويم سلوك الناشزات منهنّ للحفاظ على المجتمع من التفكّك والانحلال.

ومن الطريف في النعم الإلهية على الرجل المؤمن مرافقة زوجته له في الجنة، ووصّى النبيّ محمد(ص وآله) الرجال بالنساء، حيث قال: "الله الله في النساء، فهنّ عوان بين أيديكم"(2)، ونحن نقتدي بحياة الرسول(ص وآله)، فقد كان يقبّل يد ابنته الزهراء(ع) ورأسها، ويقوم من مقامه ويُجلسها ويُكنيها بـ (أمّ أبيها) وزوّجها من وصيّه وابن عمّه وخازن علمه وحامل لوائه، حيث لا فتى إلّا هو، ويشهد التاريخ على علاقتهما المثالية كزوجين وأبوين عن طريق تربية أبنائهما المميزة، حيث أخرجت للأمة عناصر فريدة في العبادة، والتقوى، والخلق الحميد، والشخصية الفذة من ذكور وإناث.




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الاحزاب:195

(2)بحار الأنوار، ج103، ص228.

(*) المصدر: مجلة رياض الزهراء (ع) العدد 99 - مجلة شهرية تصدر عن شعبة المكتبة النسوية في العتبة العباسية المقدسة/ بقلم: رئيس التحرير: ليلى ابراهيم الهر.


تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا